2024-11-28

حكايات من الفولكلور الكردي-حكاية بائع السلال

ماجد الحيدر

ترجمة وإعداد: ماجد الحيدر

حكاية بائع السلال واحدة من الحكايات الشعبية المنتشرة (بنسخ محكية ومغناة مختلفة) في أرجاء كوردستان وبعض المناطق المجاورة لها. كما إن العديد من القبور والمزارات في شمالي كوردستان وجنوبيها تنسب الى هذا الرجل منها قبر جنوبي قلعة فارقين (أو قلعة زمبيل فروش) قرب مدينة فارقين (بالعربية ميافارقين، التي تقع شمال شرق آمد (ديار بكر)، بين دجلة والفرات وكانت عاصمة لدولة كوردية هي الدولة المروانية (الدُّوستكية) بين سنتي (350 – 478 هـ / 982 – 1086 م) وقبر ثان في قرية سيركوتكي في ناحية باتيفا التابعة لمدينة زاخو.
تقول الحكاية إن بائع الزنابيل هذا (ويسمى بالكردية زمبيل فروش) كان شابا غنيا وسيما (تسميه احدى الروايات سعيد بن الامير حسن حاكم ديار بكر) وإنه كان فتى متنعما غارقا في الملذات قلما يغادر قصر أبيه ولا يعرف شيئا عن أحوال الفقراء والكادحين ومعاناتهم. لكنه يخرج يوما من القصر ويختلط بالعامة ويكتشف مقدار البؤس والشقاء اللذين يسودان العالم (أو أنه يقف، في رواية أخرى، على أحد القبور فيصدَم برؤية عظام الموتى البالية ويدرك أن الموت نهاية كل شيء وأن عمل المرء الصالح هو ما يبقى) فيقرر أن يتوب عن مجونه ويغادر حياة الترف والنعيم ويهجر قصر أبيه ويعيش من عرق جبينه. وهكذا يخرج مع زوجته وأطفاله الصغار ليعمل في حياكة السلال وبيعها على الناس في القرى والقصبات حتى يصل في أحد الأيام الى مدينة فارقين. كان حاكم المدينة رجلا طاعنا في السن كثير المشاغل لكن زوجته شابة حسناء تعاني من الفراغ والحرمان العاطفي. وحدث أن زمبيل فروش مرَّ من أمام القصر الأميري وهو ينادي على بضاعته وأبصرته الأميرة الجالسة في الشرفة فهامت بحبه على الفور وأرسلت إحدى خادماتها لاستقدامه. نزلت الخامة وقالت له:
– يا بائع السلال، سيدي الأمير يطلب منك الدخول الى القصر لشراء بعض من سلالك.
– لكنني سمعت أن الأمير قد سافر.
– أقول لك إن الأمير يطلبك ولن تلوم إلا نفسك إن لم تطع!
خاف زمبيل فروش من بطش الأمير وقال في نفسه:
– ربما عاد الأمير ولم أعلم بذلك.
ثم لحق بالخادمة ودخلا القصر،. قادته الخادمة الى الديوان وما أن دخل الفتى حتى أقفلت كل الأبواب كما خططت الأميرة التي بدأت بمراودته عن نفسه عارضة عليه وصالها وهي تغريه بكل مفاتنها وتعده بأن تغنيه وتؤثره على كل الناس. فتن الشاب بجمالها ووقع هو الآخر في حبها على الفور لكنه أبى أن يمارس الرذيلة وينقض توبته فرفض عروضها بكل إباء وحاول كثيرا أن يثنيها عما تريد ولكن دون فائدة. عندها أيقن بأن لا مفر أمامه سوى الموت أو الرضوخ لرغباتها فقال لها:
– حسنا. سأفعل ما تأمرين به، لكنني أريد أن أصلي ركعتين قبل ذلك.
– لا بأس يا حبيبي، سآمر الخدم أن يجلبوا لك سجادة وماء للوضوء.
– لا داعي لذلك. قد توضأت قبل قليل، لكنني أريد أن أصعد الى السطح وأصلي هناك.
وافقت الأميرة على ذلك ومضى بائع السلال يرتقي درجات السلالم، لكن الأميرة أحست بنيّته فأسرعت وراءه وحاولت ثنيه عن إلقاء نفسه من السطح الشاهق، وعندما عجزت عن ذلك رمت بنفسها عليه ليسقطا معا ويفارقا الحياة في الحال. لكن رواية أخرى تقول إن الفتى ألقى بنفسه الى الشارع وجاد بروحه فتجمع الناس من حوله وهم يأسفون لشبابه ويمتدحون عفّته ونزاهته ناقمين على الأميرة التي تسببت بموته، ويصادف أن الأمير العجوز يعود الى قصره في تلك اللحظة ويستفسر عما حدث فيخبرونه بالحكاية فتثور ثائرته ويدخل سريعا عازما على قتل الزوجة الخائنة، فتفضل الأخيرة أن تلقي بنفسها هي الأخرى وتموت قريبا من الفتى الذي أحبّته.
ومهما يكن من اختلاف في تفاصيل القصة ومقدار الحقيقة والخيال فيها فإن حكاية بائع السلال قد دخلت ضمائر الناس وخلدها تراثهم الشعبي رمزا للنزاهة والعفاف والحب الطاهر الشريف.