خيارات الكرد السوريين بعد الهجوم التركي والانسحاب الامريكي
الاهالي ريبورت:
مع دخول القوات التركية والجماعات المسلحة الموالية لها الى كل من رأس العين وتل ابيض التي كانت تخضعان لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وسيطرت انقرة فعليا على مسافة تمتد لـ 120 كلم وبعمق يصل في بعض النقاط الى 30 كلم، والتي تزامنت مع دخول قوات الحكومة السورية مع قوات روسية الى مدن كردية عديدة وانتشارها على الشريط الحدودي السوري التركي، تتغير خارطة التوازنات العسكرية والسياسية والتحالفات في سوريا على نحو متسارع.
ولاتعرف الصورة النهائية التي ستؤول إليها الأوضاع في مناطق شمال شرق سوريا ذات الغالبية الكردية، ولا مصير الادارة الذاتية الكردية المعلنة هناك منذ سنوات والتي حاربت تنظيم داعش بشكل اساسي وقضت عليه قبل نحو عام. فمع قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب سريعا ودون الالتفات الى آراء مستشاريه وكبار العسكريين الامريكيين ولا حتى السياسيين المقربين منه من الحزب الجمهوري والذين يرون ان الانسحاب السريع يعني منح المنطقة كلها لروسيا وانهاء التأثير الامريكي في المعادلة السورية مع تخليهم عن حلفائهم الكرد.
ومن المؤكد أن الخيارات التي أمام الكرد الذين يشكلون العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية باتت تضيق، وقد تؤدي إلى خسارتهم لكل ما استطاعوا تحقيقه على المستويين العسكري والإداري شرقي نهر الفرات في الأعوام الماضية.
ويتساءل كثيرون عن مصير الادارة الذاتية بعد إبرام القادة الكرد اتفاقا قضى بدخول قوات الحكومة السورية إلى مناطقهم شمالي البلاد، بموازاة اتفاق آخر بين أنقرة وواشنطن يتم بموجبه سحب قوات سوريا الديمقراطية إلى العمق السوري، مقابل وقف الحملة العسكرية التي بدأتها أنقرة في التاسع من تشرين الاول الجاري.
وعلى غرار كردستان العراق، نجح كرد سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية، في إقامة إدارة ذاتية لهم، وازدادوا قوة خلال قتالهم لسنوات مع الأميركيين ضد داعش.
المخاوف التركية من تكرر تجربة اقليم كردستان
ذلك الأمر أثار مخاوف الأتراك الذين شنوا قبل أيام حملة عسكرية ضد معاقل الكرد في شمال سوريا، بعد انسحاب الأميركيين من المنطقة. وقال أردوغان إن الهدف منها إنشاء منطقة آمنة تسمح بإعادة اللاجئين السوريين في تركيا.
وبحسب تقرير لموقع الحرة، فان انسحاب الأميركيين هو بمثابة ضوء أخضر للهجوم التركي وتخل عن حليفهم الكردي، رغم نفي واشنطن لذلك.
الكرد وفي ظل اشتداد المعارك ضدهم اضطروا للتحالف مع النظام السوري برعاية روسية للتصدي لتركيا.
الاتفاق مع دمشق وحسب مراقبين، غير واضح المعالم، ففيما قيل إنه يسمح للقوات السورية بالدخول للمناطق التي يسيطر عليها الكرد بالشمال السوري، يتحدث الكرد فقط عن انتشار القوات السورية على الحدود.
وأيا يكن، الواضح على الأرض هو أن القوات السورية دخلت مدنا رئيسة كانت تحت سيطرة الكرد مثل كوباني ومنبج.
أما الهجوم التركي فقد نجحت واشنطن في وقفه بعد انتزاع اتفاق مع أنقرة تحت طائلة التعرض لعقوبات.
ووافق الكرد على اتفاق أنقرة رغم أنهم لم يكونوا طرفا فيه، ويقضي بفقدان الكرد مزيدا من أراضيهم عبر الانسحاب إلى عمق 20 ميلا من الحدود التركية، مما قد يشكل ضربة لإنشاء حكم ذاتي في شمال شرقي سوريا.
وبنظر مراقبين، فإن الكرد هم الحلقة الأضعف في كلا الاتفاقين والكاسبون هم الأتراك، والنظام السوري وحليفه الروسي بل حتى الإيراني.
ويقول الناشط الكردي سردار ملا درويش إن واشنطن بانسحابها من شمال سوريا تركت كرد سوريا “بين فكي الأسد وروسيا، أو تركيا”.
وأضاف: “خيارنا الأساسي الأول هو البقاء في التحالف الدولي بقيادة الأميركيين”، وقد أعلن الجنرال مظلوم عبدي إعادة العمليات ضد داعش بالتعاون مع التحالف بعد تعليق العملية التركية، وفق موقع الحرة.
خيارات مرة
“وإذا تخلى التحالف عن الكرد، فسيكون أمامهم بديلان وفي كليهما سيكونون خاسرين لكنهم سيقبلون بهما حقنا لدماء ثلاثة ملايين كردي سوري وللمحافظة على الوجود الكردي وديموغرافية المنطقة، وبعد سنوات قد تتبدل الأحوال.”
البديل الأول، حسب درويش، هو البحث عن صيغ للتعامل مع النظام السوري، والثاني وهو “الأمرّ”، مع تركيا، وفي كلا الحالتين يمكن استخدام نفوذ الروس للتوصل إلى صيغة مرضية.
واختتم بأن البديل الأخير لهذه الخيارات هو “الحرب للدفاع عن حقوقهم المشروعة”.
من جهته يرى حسن منيمنة مدير مكتب بدائل الشرق الأوسط أن الأكراد سوف يجدون أنفسهم “مرغمين على مواصلة التعاون الميداني مع واشنطن، ومع الروس كذلك باعتبارهم القوة المنطقية التي يمكن أن تضع حدا للطموح التركي في مناطقهم”.
ورغم ذلك يرى مراقبون أن موافقة الكرد على الاتفاقين مع أنقرة ودمشق، تكتيكية، في انتظار حدوث تبدلات مستقبىلية.
هدية تركية الى سوريا
أما مدير مركز الشرق للبحوث سمير تقي فيرى أن أردوغان “قدم هدية للنظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين تتمثل في دخول قوات الأسد لمناطق سيطرة الأكراد ومن ثم الانتشار على كامل الشريط الحدودي مع تركيا”.
ويرى تقي في حديث لموقع “الحرة” أن انتشار قوات النظام السوري في مناطق جديدة سيقوي موقف الأسد عسكريا وسياسيا خلال المفاوضات مع قوى المعاوضة الرامية لإيجاد حل للازمة السورية.
ويتوقع مدير مركز الشرق للبحوث أن “تسيطر قوات النظام السوري على مناطق جديدة في منطقة الجزيرة السورية بدعم من الإيرانيين الذين بدأوا بالفعل نشر قواتهم في مناطق دير الزور والرقة وغيرها من المدن الخارجة عن سيطرة الأسد”.
تزايد النفوذ الروسي
ويحذر مسؤولون امريكيون كما باحثون من ان الانسحاب الامريكي من شمال شرق سوريا وتخليهم عن دعم الكرد يعني عمليا تفرد الروس بالساحة السورية.
وانتقد أحد أبرز السياسيين في الحزب الجمهوري وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، سياسة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، في التعامل مع ما يجري في سوريا وقراره بسحب القوات الأمريكية من هناك.
وقال السياسي المخضرم ماكونيل، في مقال بصحيفة واشنطن بوست، إن قرار زميله الجمهوري ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، الذي ترافق مع هجوم تركي على شمال البلاد “كابوس استراتيجي”، وفق ما نقله موقع البي بي سي.
ووصف ماكونيل، بصفته زعيما للأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بأنه “خطأً استراتيجي خطير”.
وقال :”تزامن انسحاب الولايات المتحدة مع تصاعد الأعمال العدائية التركية-الكردية يخلق كابوسا استراتيجيا لبلدنا”. حتى لو كان وقف إطلاق النار قائما، فإن الهجوم التركي والانسحاب الأمريكي “يحد من قدرة” واشنطن في حربها تنظيم داعش.
وأوضح ماكونيل أن “الانسحاب” الأمريكي سوف يسمح بنمو النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة.
ويقترح السيناتور عن ولاية كنتاكي استخدام “العصي والجزر على حد سواء لإعادة تركيا إلى حدودها مع احترام مخاوفها الأمنية المشروعة”، وكذلك الحفاظ على “وجود عسكري محدود” في سوريا والعمل بشكل وثيق مع حلفاء في الشرق الأوسط “تهددهم هذه الفوضى”.
لم يذكر ماكونيل اسم دونالد ترامب صراحة في المقال.
وكان ترامب قد وصف الوضع على الحدود التركية السورية، بعد ساعات من اتفاق امريكي تركي على وقف القتال، بأنه “رائع من الناحية الاستراتيجية” بالنسبة للولايات المتحدة.
وأضاف ترامب “لديهم مشكلة عند الحدود (السورية التركية). ليست حدودنا. يجب ألا نفقد الأرواح هناك”.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وافقت تركيا على وقف عمليتها العسكرية لمدة خمسة أيام (120 ساعة)، بينما يترك المقاتلون الأكراد المنطقة الحدودية مع تركيا.
وقد بدأت القوات العسكرية التركية هجومها داخل الأراضي السورية بعد سحب ترامب جميع القوات الأمريكية من المنطقة الحدودية.
ويهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى دفع المقاتلين الأكراد، الذين يعتبرهم إرهابيين، بعيدا عن حدود تركيا وإنشاء “منطقة آمنة” داخل الأراضي السورية وصفها بأنها من أجل إعادة توطين حوالي مليوني لاجئ سوري في تركيا حاليا.
وأفادت تقارير بفرار ما بين 160 ألفا و300 ألف مدني سوري من منازلهم منذ بدء الهجوم التركي، وثمة مخاوف من أن تؤدي العملية التركية إلى تطهير عرقي للسكان الأكراد المحليين.
وهناك قلق متزايد من احتمال ارتكاب القوات التركية وميليشيات مسلحة موالية لها جرائم حرب منذ بدء الهجوم في 9 أكتوبر/تشرين أول.
وتتحدث تقارير عن استخدام القوات التركية الفسفور الأبيض، وهو سلاح كيميائي محرم دوليا، في قصف سوريا.
ويعد ماكونيل أحدث سياسي جمهوري ينتقد ترامب بسبب سياسته في سوريا. وكان السيناتور ليندسي غراهام، وهو عادة حليف قوي لترامب، قد عارض علنا قرار الإدارة الأمريكية سحب القوات من سوريا.
وقال غراهام بعد اتصاله بقيادات كردية “المنطقة العازلة مقبولة لدى الأكراد لكن الاحتلال العسكري الذي يقوم بتهجير مئات الآلاف ليس منطقة آمنة”. “إنه تطهير عرقي”.
س ن