الفنان التشكيلي سيروان شاكر في حوار خاص مع “الأهالي ريبورت” الاكتشافات الوجدانية هي سر الوجود الانساني لهذا الكون! سيطرة العقل على الأحاسيس نقطة خطرة جدا، وحلمنا الاخير هو ان نصل الى المنطقة الحقيقية في عالم الفن.
حوار أجراه: ماجد الحيدر
الفنان التشكيلي سيروان شاكر أحد الفنانين المعروفين على الصعيدين الكوردستاني والعراقي منذ سنوات طوال بغزارة انتاجه وتنوعه وتجديده الأسلوبي ومواكبته لكل حديث في مجاله، فضلا عن تدريسه ورعايته لعشرات من طلبة الفنون والموهوبين.
ولد سيروان شاكر فى مدينة عقرة عام 1968. اكمل دراسته الابتدائية والاعدادية في عقرة والموصل . حصل على ليسانس فنون عام 1994 من كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد . ظهر كفنان لامع داخل الوسط التشكيلي الكوردي وامتازت لوحاته بالإتقان والدقة. مادته المفضلة الالوان الزيتية والقماش. تمزج انامله الالوان الزيتية على سطح اللوحة وتنشرها بموجات متتاليه وتأخذ الالوان تدرجها المثير وتكون اللوحة قطعة انشاء بلا فراغ . خط افق تفصل بين مساحتين حيويتين، فعموم اللوحات عبارة عن طبيعة مجردة تخلو من مظاهر الحياة الا ما ندر من بعض الاشجار لذا فاللوحة عبارة عن حيز علوي تشغله سماء ملبدة بغيوم حبلى تتخلله احيانا بعض اطياف الشمس وحيز سفلى عبارة عن ارض فيها مياه جارية وهى اقرب الى عالم الاحلام والخيال.
شغل منصب رئيس قسم التشكيل في معهد الفنون الجميلة دهوك. اقام أكثر من عشرين معرض شخصي بدءاً من عام 1994 في دهوك واربيل والسليمانية والمانيا والدنمارك والولايات المتحدة وتركيا وسويسرا، فضلا عن 63 معرضا مشتركا في العديد من مدن الاقليم والدول الأجنبية.
الأهالي ريبورت التقت به للحديث عن تجربته وآرائه فكان هذا الحوار:
– يقال بأن الفنان هو الاسلوب. متى أحسست بأنك نجحت في الوصول الى أسلوبك الخاص؟ وما ملامح هذا الاسلوب؟ وما هي المدارس الفنية والأسلوبية التي تنقلت عبرها حتى وصلت اليه؟
• لكل فنان بالطبع اسلوبه الخاص الذي يعمل عليه لفترة طويلة والاسلوب من الصعب اكتشافه الا بعد الحصول على معلومات كثيرة في عالم الفن، اقصد الفن التشكيلي وهذا يستلزم تجارب عديدة، وهناك بعض الفنانين يتقنون العمل الفني وهم لا يملكون اسلوبا محددا بل يتجولون في هذا العالم وهم مدركون لكيفية اختيار نمط العمل الفني دون اسلوب محدد او حسب رغبتهم الذاتية في انجاز عمل فني. اما بالنسبة لأعمالي الفنية فهي ضمن اطار محدد من الاسلوبية فكل زمن له فكرته الخاصة للتعبير عنه بأسلوب معين فقد انجزت معارض عديدة وبأساليب متنوعة ولكن لكل زمن اسلوبه الخاص.
– تتسم أعمالك بدرجة عالية من التجريد فهل يشكل التجريد حاجزا بين الفنان والمتلقي العادي الذي لم يحصل على درجة عالية من تنمية التذوق الجمالي؟ وكيف يمكن إزالة هذا الحاجز إن وجد؟
• بالطبع هناك حاجز كبير بين الفنان والجمهور، لكن على الفنان ان يحاول فهم المشاهد او المتذوق للعمل الفني بشتى الصيغ حتى يكون له رؤية حول هذا العمل بالإضافة لشرح مفهوم الفن وليس اللوحة او العمل الفني للمشاهد او المتذوق كي يصل الى درجة معينة من التذوق والاحساس بهذا المنجز الفني، وايضا هناك نقطة اخرى مهمة فلابد من تكملة العمل الفني وهو ان يكون المشاهد مبدعا ويكون له الالمام في عالم الفن فهو مملكة لا يمكن اختراقها بسهولة انما يحتاج جهدا كبيرا من الاحاسيس لغرض اعطاء الصيغة النهائية للعمل الفني.
– استمرارا للسؤال السابق: كيف يمكن تنمية الذوق الفني وملكة الاحساس الجمالي لدى الجمهور؟ ما دور كل من المدرسة والمجتمع والفنان نفسه في هذه العملية خصوصا في مجتمعات متخلفة؟
• يمكن تربية الذوق الفني عن طريق بناء وعي متكامل لهذا العالم من خلال الشرح حول ماهية الفن او اعطاء نبذة حول فلسفتها. وكل هذا يجب على الفنان او التربوي الذي يملك القدرة الكافية في جعل وتغيير المفاهيم الساذجة الى مفاهيم ذات قيمة كبيرة والخوض في عالم الفن بمفاهيم منطقية توفي غرض الاحساس والابداع وهذا يمكن تطبيقه من خلال الاكتشافات الوجدانية التي هي سر الوجود الانساني لهذا الكون، فالوجدان يساعد الانسان على خوض معركة كبيرة مع الخيال للحصول على قدر كافي من الاحساس ليدركها بعد ذلك ثم يصنع عملا ابداعيا جميلا ولكن المجتمعات المتدنية فنيا لا تملك تلك القدرة في خوض معركة الخيال لانهم اساسا لا يملكون القدرة على استيعاب العملية الفنية وليس لديهم وعي متكامل حول الصور او الصيغة النهائية للفن.
– ما هي ملاحظاتك ومؤاخذاتك على عملية التربية الفنية في المجتمع الكوردستاني، بدءاً من مرحلة ما قبل الابتدائية وصولا الى الدراسة الأكاديمية المتخصصة؟
• ان الفن في معظم المدارس اصبح مادة ثانوية وليس له دور مهم وذلك بسبب عدم فهم الوجدان البشري بشكل جيد وهذا يسبب خللا في الوجدان البشري ويسبب خللا في الحضارة والانسانية لان قيمة الفن كبيرة جدا للعالم الانساني، فكما تقول سوزان لانجر الفيلسوفة المعاصرة في الفن- لا توجد حضارة نظيفة على الاطلاق دون الفن، فالفن له دور كبير في بناء الحضارة رغم ان الحضارة اوسع بكثير من الفن الا انه يضع صيغا جميلة للحضارة ويحدد نمط الاسلوب الذي يعيش فيه الانسان لهذه الحضارة فهو يصنع خيرا للبشرية.
– ما هي رؤاك ومقترحاتك لتطوير التعليم الفني في جميع مراحله؟
• توسيع العملية الفنية بكامل اوجهها النظرية والعملية ودورها في التربية والتعليم يكون اكثر فعالية، اي تطبيق نظريات جديدة في التربية والتعليم وخصوصا نظرية (هربرت ريد) للتعليم الفني في المدارس والمراحل العمرية وكيفية الاستفادة منها وخصوصا في المراحل البدائية من العمر.
– حسب تقديرك: كم نسبة من استمر في ممارسة العمل الفني من بين من مروا بين يديك من طلبة وطالبات؟ ما الذي يمنع المتخرج من الاستمرار في العطاء الفني بعد تخرجه؟
• المستمرون في العمل الفني قليلون جدا وذلك يعود السبب الى حياتهم الذاتية بما تتضمن من امور شخصية او مادية او اجتماعية او طموحات اخرى غير الفن هذه كلها اسباب تعود الى عدم استمرار الخريجين في العملية الفنية وهناك ايضا نقطة في عدم الاستمرار بالفن الا وهي سيطرة العقل على الأحاسيس فهذه نقطة خطرة جدا عندما يسيطر العقل تضعف الاحاسيس الى ادنى نقطة فبذلك يكون لديه شخصية مضطربة الى حد ما وهو خلق صراع بين الحقيقة والخيال وبين التقليد والابداع، بذلك لا يبذلون جهدا كافيا للاستمرار في العملية الابداعية ولان الانسان في بعض الاحيان لا يريد ان يخوض في عالم المجهول او يصنع عالما جديدا، فبذلك من السهل ان يترك ما بنى ذاته من اجلها ليتجه الى عالم احادي.
– ما الذي تحلم به كفنان وكتربوي، على الصعيدين الشخصي والعام؟
• كل فنان لديه طموحات لا تتوقف عند حد معين بل هي مستمرة الى ابعد الحدود. وان يكون للفنان قيمة حقيقية لذاته ولعمله الفني وليس لشيء اخر وتكون مشاركتنا فعالة في المهرجانات العالمية من خلال دعم الجهات الثقافية المختصة للشؤون الفنية ولاتكون لاشخاص معينين، بل لكل من يملك عالما ابداعيا ايا كان، وحلمنا الاخير هو ان نصل الى المنطقة الحقيقية في عالم الفن.