نظام البعث حول السماوة من مهد الحضارات الى مقبرة المؤنفلین الكرد
الأهالي ريبورت/ عثمان محمد أمين عثمان
تكشف الحروب الدامیة التي أشعلها نظام حزب البعث في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وما قام به من عمليات قتل جماعية (أنفال) ضد الشعب الكردي التي راح ضحیتها عشرات الآلاف، مدی همجية ودموية وشوفينية ذلك النظام الذي وقف ضد مختلف فئات الشعب العراقي لمجرد مطالبتها بالحرية والعدالة وحقوقها في اطار الدولة العراقية.
سیاسة القمع والقتل الممنهجة خلال فترة حكم البعث وبشكل خاص ضد الكرد وفي ظل صمت المجتمع الدولي، خلفت عشرات المقابر الجماعیة في مختلف مناطق البلاد بما فيها محافظات الجنوب كالسماوة، التي كلما اكتشفت مقبرة فيها يتقاطر العشرات من أبناء الضحايا اليها في محاولة للتعرف على هويات القتلى وأسمائهم علهم يعرفون مصير أحبائهم المفقودين.
ويرجح متابعون وشهود ان صحراء السماوة بمحافظة المثنى، تضم اليوم آلاف من رفاة المؤنفلين الكرد الذين قتلهم النظام البعثي في أواخر الثمانينات ودفنهم في مقابر جماعية بدأ الكشف عن بعضها في العام 2004 ولحد الان يتم الكشف بين فترة واخرى عن مقابر جديدة.
وكشفت الجهات المعنية في شهر تموز عن ثلاث مقابر جماعية جديدة في هذه الصحراء لم تكن معروفة سابقا، وبدأت الفرق المختصة التي شكلت من قبل الحكومة الاتحادية وبالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان بالعمل الدقيق على حفر تلك المقابر والكشف عن هويات من دفنوا فيها، حيث ظهر وجود عشرات النساء والأطفال بين الضحايا.
إستخراج رفات 171 مؤنفلاً
وذكرت شبكة رووداو ان الجهات المعنية قامت باستخراج رفات 171 شخصا من ضحايا المقبرة الجماعية ببادية السماوة وتم نقلها الى بغداد، مبينة ان عمليات البحث والاستخراج والنقل من المقبرتين الثانية والثالثة ستجري خلال ايام.
وقال مدير عام ديوان وزارة الشهداء والمؤنفلين في إقليم كردستان بختيار فرج، أنه تم استخراج رفات الشهداء من المقبرة الجماعية الاولى ونقلها الى بغداد وستتم معاينتها لتحديد هويات الشهداء.
واضاف “نعمل على اعادة رفات جميع الضحايا الى إقليم كوردستان، ولكن لم نقرر بعد ما اذا كنا سننقلها الآن أم سننتظر فتح المقابر الأخرى ليتم نقلها جميعاً”.
وبحسب ما أفاد به مدير عام ديوان وزارة الشهداء والمؤنفلين في إقليم كردستان، فمن المقرر أن يتم عقد إجتماع آخر في مدينة أربيل، لمعرفة اذا ما كان سيتم افتتاح مقابر أخرى.
وفي تصريحات صحفية أعلن مستشار رئيس الجمهورية سالار محمود، عن استخراج رفات 171 شهيدا من احدى المقابر الجماعية واتمام نقلها الى دائرة الطب العدلي في بغداد لاجراء المعاينة اللازمة، مشيرا الى فتح مقابر جماعية أخرى خلال شهر أيلول المقبل.
وذكر محمود انهم يعملون على اعادة رفات الشهداء الى اقليم كردستان في مراسيم جماهيرية مهيبة، وبحضور رسمي عراقي ودولي لكي يرى العالم ما أقدم عليه النظام البعثي ضد الكرد.
وقال محمود ان هناك العشرات من المقابر الجماعية بالقرب من نكرة السلمان اضافة الى وجود مقابر فردية ايضا، وبحسب محافظ المثنى يتراوح عدد المقابر الجماعية بين 60- 70 مقبرة.
وطالب مستشار رئيس الجمهورية، حكومة إقليم كردستان بالبحث في عملية تعويض ذوي المؤنفلين مع الحكومة العراقية.
فتح مقابر جديدة
وتتباين التصريحات بشأن موعد استئناف فتح المقابر الجماعية المكتشفة حديثا في محافظة السماوة، حيث صرح اكثر من مسؤول بان العملية ستستأنف خلال ايام، الا ان مسؤول في وزارة الشهداء والمؤنفلين في اقليم كردستان قال، ان “فتح المقابر الجماعية تم تأجيله بسبب الحر الشديد”.
وقال سيروان جلال مدير المقابر الجماعية في وزارة الشهداء والمؤنفلين في اقليم كوردستان لموقع دواڕۆژ الكردي، انه “بسبب ارتفاع درجات الحرارة لن يكون بالامكان فتح المقابر الجماعية بالسرعة المطلوبة، لذلك تقرر تأجيل فتحها الى نهاية شهر ايلول المقبل”.
وبحسب تقرير لوزارة الشهداء في الاقليم، يتوقع ان يكون هناك 13 مقبرة جماعية اخرى للكرد في محافظة السماوة تضم رفات 500 طفلا وفتاة وامرأة.
كشف ثلاث مقابر
وقال برفان حمدي وكيل وزارة الشهداء والمؤنفلين في حكومة إقليم كردستان لـ “الأهالي ريبورت” ان الجهات المعنية عثرت في شهر تموز على ثلاثة مقابر جماعية في صحراء السماوة وبدأ العمل بالحفر باحدى هذه المقابر في يوم 23 تموز ويستمر العمل فيها لحد بداية شهر آب.
واضاف ان المقبرة تضم حوالي 80 الى 85 من رفاة المؤنفلين الكرد معظمهم من الاطفال والنساء، مبينا أنه وفق القانون العراقي المرقم (5) المعدل و الخاص بالمقابر الجماعية تم تشكيل فرقة وطنية خاصة بحفر المقابر الجماعية في العراق من قبل مديرية الشهداء ووزارتي الصحة والعدل العراقية بالاضافة الى وزارة الشهداء والمؤنفلين لحكومة إقليم كردستان وجهات أخرى، وقامت تلك الفرقة بعملها في احدى المقابر المكتشفة.
وتابع حمدي، انه بعد الكشف والحفر يتم إخراج الرفاة الموجودة في المقبرة ونقلها الى الطب العدلي في بغداد لغرض الكشف عن هوياتهم ومن ثم وبمراسيم خاصة تنقل هذه الرفاة الى ذويهم في إقليم كردستان.
وبحسب تصريح سابق كان من المقرر ان تنهي الفرقة الوطنية عملها في المقبرة الأولى التي جرى العمل فيها قبل حلول عيد الاضحى المبارك، وبعد العيد تستأنف الفرقة عملها في المقبرتين الباقيتين ليتم تحديد عدد المدفونين فيهما ولاحقا تحديد هوياتهم.
اولى المقابر كشفت في 2004
ويقول وكيل وزارة الشهداء والمؤنفلين أن أول من عثر على المقابر الجماعية في صحراء محافظة السماوة هم القوات الأمريكية، حيث كشفوا في 2004 عن العثور على مقبرتين كانت بداخلهما أكثر من 150 رفاتاً، و في سنة 2005 عثر على مقبرة جماعية أخرى للبارزانيين في هذه المنطقة ايضاً وكان بداخلها أكثر من 500 مؤنفل وقامت وزارة حقوق الانسان بحكومة إقليم كردستان آنذاك بالحفر والكشف عن هوياتهم و من ثم نقلهم الى ذويهم في الإقليم، وفي سنة 2013 اكتشفت مقبرة أخرى في صحراء السماوة وكانت بداخلها 93 رفاتاً للمؤنفلين البارزانيين وفي تموز تم الكشف عن المقابر الثلاث الجديدة.
ويشير برفان حمدي الى العثور على حوالي 2700 من رفات المؤنفلين الكرد في صحراء السماوة الى الآن في حوالي 53 مقبرة جماعية، معربا عن اعتقاده بوجود عدد كبير من رفاة المؤنفلين الكرد مازالت تحت الرمال وفي مقابر جماعية في صحراء السماوة التي تمتد على مساحة واسعة.
وحول أسباب إختيار صحراء السماوة بشكل خاص من قبل النظام البعثي لقتل ودفن المؤنفلين الكرد، يقول وكيل وزارة الشهداء والمؤنفلين ان “صحراء السماوة واسعة وبعيدة وغير مأهولة بالسكان الى جانب طبيعة تلك الصحراء التي تغير ديمغرافيتها بين فترة وأخرى مع تموج وتحرك الرمال وتحولها من مكان الى آخر، ومن خلال هذه العملية يتغير شكل سطح الارض بعد فترة وأخرى، لذا إعتقد النظام البائد بان طبيعة الصحراء هذه سوف تساعد على اخفاء جرائمهم ضد الانسانية الى الأبد، ولكن النتيجة ظهرت بعكس إعتقادهم، والصحراء لم تستطيع إخفاء هذه الجريمة البشعة ضد مواطنين أبرياء عزل” .
ويقول الناشط المدني علي عبدالله، ان نظام حزب البعث “استعان بالصحراء لإخفاء جرائمه ضد الانسانية وضد الكرد بشكل خاص ولدوافع شوفينية، وحاول تحويل السماوة التي تمثل مهد الحضارات الى مقبرة للمؤنفلین الكرد الذين اتهموا بمعارضة النظام والتمرد على الدولة رغم ان آلافا منهم كانوا مجرد اطفال ونساء وكبار بالسن”.
ويضيف “رغم كل محاولات البعث لإخفاء جرائمه، فان جهوده فشلت والحقائق ظلت تنكشف وتوضح دموية ذلك النظام وهمجيته”.
مقابر في الشمال وأخرى في الجنوب
وتزامنت عمليات كشف وفتح مقابر جماعية جديدة في بادية السماوة لضحايا نظام حزب البعث من الكرد المسلمين الذين اعدموا بشكل جماعي في ثمانيات القرن الماضي، مع عمليات فتح مقابر جماعية في سنجار شمال العراق لضحايا تنظيم داعش من الكرد الايزيديين الذين تعرضوا لعمليات قتل واسعة في آب 2014.
وبين المقابر الجماعية في الشمال والأخرى في الجنوب مسافة زمنية تمتد لثلاثة عقود، ضحاياها مدنيون كرد وايزيديون وجدوا انفسهم خلال ساعات معتقلين تنفذ بحقهم ودون اي محاكمات أوامر قتل جماعية مرة تحت شعارات قومية واخرى تحت شعارات دينية.
وكان مدير الطب العدلي زيد اليوسف، قد قال في تموز الماضي، معلقا على عمليات الحفر والبحث الأولية في المقبرة الاولى ببادية السماوية التي ضمت عشرات الضحايا بينهم أطفال ونساء أعدموا على يد قوات نظام صدام حسين: “قمنا بفتح مقبرة جماعية في منطقة تل الشيخية الواقعة جنوب السماوة (300 كم جنوب بغداد) وهي تعود لضحايا أكراد وتضم رفاة أكثر من 70 شخصاً وغالبيتهم من النساء والأطفال الذين تراوح أعمارهم من رضيع إلى عشر سنوات، أعدموا في العام 1988 من خلال الأدلة المتوفرة”.
وأضاف اليوسف متحدثا لوكالة فرانس برس أنه “تبين أن النساء معصوبات العيون وهناك طلقات نارية بالرأس، إضافة إلى طلقات عشوائية في مناطق متفرقة من الأجساد”.
وأعدم الرئيس الأسبق صدام حسين، الذي أطيح بنظامه في العام 2003 بعيد غزو أميركي للبلاد، قبل أن يمثل أمام المحكمة بتهمة “إبادة” ما يقارب 180 ألف كردي في إطار عمليات “الأنفال” التي شنها بين عامي 1987 و1988 والتي هدفت الى انهاء المقاومة الكردية ضد نظامه وتدمير البنية التحتية لآلاف القرى الكردية الحدودية بحيث تصبح غير قابلة للحياة.
وتقع المقبرة في بادية السماوة بجنوب العراق، والتي كانت تضم سجن “نقرة سلمان” سيء الصيت في البلاد، وهو المكان الذي كان يخفي فيه النظام السابق معارضيه السياسيين.
وتشير تقديرات حكومية إلى أن أعداد المفقودين بين العامين 1980 و1990، جراء القمع الذي كان يمارسه نظام صدام حسين بحق الكرد والعرب الشيعة، بلغت نحو 1.3 مليون شخص.
ت و ا: س ن