2024-11-28

طبق الأصل هل ينبغي إعدام محمود المليجي؟!

محمود المليجي

ماجد الحيدر

مرة وأنا أقلب صفحات الانترنت (وكان الجدال الفيسبوكي محتدما حول مسلسل رمضاني أثار الكثير من اللغط) قرأت لأحد الأصدقاء الافتراضيين منشورا يقول فيه بالنص:
“الممثل التافه جدا (……) المفروض هو عراقي وعنده شوية قيم وشوية دين وشوية خجل من أقاربه ع الأقل !ولك ما تستحي من تكول ( صاحبتي ) وتمثل دور النائم معها ، ما خجلت من الستين سنة ؟؟ عمت عينك وعين فن سافل يجيبك ويخليك گبال العائلة العراقية . طاح حظ الدراما العراقية من ألفها إلى يائها”
هذا المنشور الذي فهمت منه أن الناشر غاضب على الممثل (وهو بالمناسبة من الفنانين الذين لا يروقون لي شخصيا) لأنه أدى، بإتقان وصل حد التقمص، دور شرير حقير (أدب سز) ذكرني بدهشتي عندما قرأت في طفولتي مجلة فنية من تلك المنتشرة أيامها وبداخلها صورة ملونة كبيرة لمحمود المليجي كتب تحتها (لقاء مع الفنان الكبير محمود المليجي) .. يا للعجب! كيف هذا؟ محمود المليجي فنان كبير؟! أليس هو الرجل الشرير والمجرم الحقير وتاجر المخدرات والقاتل المعدوم الضمير الذي يكيد المكائد لكل أبطالنا الطيبين الشجعان الحبابين بدءاً من أنور وجدي مروراً بالأخوين محسن وشكري سرحان وانتهاءً بأحمد رمزي؟! هذا الرجل الشرير يستحق أن يعدم ألف مرة لا أن يوصف بالفنان الكبير!
يومها تذكرت أيضاً كم كرهت صديقي الحبيب (لاحقاً) د. فاضل سوداني (ولم أكن أعرف عنه حينها إلا اسمه في مسرحية النخلة والجيران وهو الشقي ابن الحولة) لأن قتل بدمٍ بارد صاحب البايسكلجي الشاب المؤدب الطيب!
لكننا كنا أطفالا. كنا نضرب الأرض بأقدامنا ونحن نجادل في أيهما الأقوى: رشدي أباظة ام فريد شوقي؟!
لم نكن لنفرق بين الحقيقة والتمثيل. لم نكن لنعرف أن ابداع الممثل في إداء دور الشرير لا يعني انه (مو خوش آدمي) في الحياة وأن الممثلة التي تؤدي دور بانعة الهوى بإتقان كبير فد تكون سيدة وأما أو أكاديمية محترمة وأن (الدكتور شديد) الذي طالما ضحكنا من بلاهته ومن عبارته الشهيرة (ومالو يا خويه) يحمل في الحقيقة شهادة الدكتوراه في فلسفة الفن وأنه صاحب كتاب أكاديمي قيّم ظل يدرّس سنوات طوال في أقسام المسرح!
فما لصديقي الافتراضي غاضبا هكذا؟ أيجوز أن يكون غضبه عائدا الى شيء آخر، الى ما اعتبره خدشا للحياء وتجاوزا للخطوط الحمراء في رسم الاحداث وكتابة الحوار؟ ربما.
ولكن أليس تزويق الواقع بعيوبه ومخازيه وبذاءته وتقديمه بعد تنقيعه في الصابون والديتول وتجميله بطبقات المكياج نوعا من التزوير؟ مجرد عرض له لا كما هو بل كما نتمنى أن يكون؟ أ وليست لغة الحوار المتكلفة غير الواقعية التي يتحدث فيها الصغير والكبير، المثقف والأمي واحدة من أهم أسباب فشل الدراما المحلية وابتعاد المشاهد عنها، بل شعوره بالخجل من رؤيتها (كما أفعل عندما كنت أشاهد نماذج منها فأغطي عيني وأتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعني!)
نعم. إن لغة الحوار التي يستعرض فيها كاتب النص خبراته القرائية ويضعها على لسان كل من هب ودب من شخصياتها أحد العيوب القاتلة حتى في الرواية والمسرح، فهل يعقل مثلا أن نقرأ نصا مسرحيا يستشهد فيه أحد أبطاله وهو ضابط مشاة (لايفقه من الثقافة شيئاً)بمقولات لمارتن هايدغر فتجيبه زوجته نصف الأمية بمقولة لسارتر!
لكنني أعترف بأن هذا ليس خطأ المؤلف على الدوام، فالكثير من الناس يفضلون أن يروا الحقيقة في القصة والمسرح والتلفزيون مطلية بطبقة المكياج التي حدثتكم عنها، وأذكر هنا أن أحد زملائي من الداخلين حديثا في طور الورع (أخذني على صفحة) قبل سنين طوال وشرع ينصحني بعد أن قرأ إحدى قصصي القصار ووجد فيها الحرف الأول من كلمة (بذيئة) عادية يسمعها الناس ويستعملونها من صغيرهم الى كبيرهم بشكل يومي:
– هذا لا يجوز، هذا عيب يا أخي. ماذا سيحصل لو وقع هذا الكتاب بيد فتاة من عائلة محترمة؟!
– وهل هناك من أجد لم يسمع بهذه الكلمة أو يستعملها حتى في بيته أو في مدرسته؟
– ولو! هذا بحث آخر. هذه الكلمات يجب أن لا ترد في الكتب!
– بسيطة. في المرة القادمة التي أعيد فيها نشر القصة سأحرص على أن أورد الشتيمة بالعربية الفصحى المهذبة المؤدبة، وسأجعل صاحب “عربانة” النفط يقول لغريمه النشال: تبّا لك وألف تب أيها الوغد الموغل في ضلالك السادر في غيك! عاش يوسف بيك وهبي والموت لمحمود المليجي!