2024-11-28

في كنيس “الغريبة” في تونس، مسلمون ويهود يصلون جنبا الى جنب

7

جربة (تونس) (أ ف ب)
– تضع عفاف بن يدر المسلمة بتؤدة بيضة كتبت عليها كل أمانيها داخل كهف في كنيس “الغريبة” بجزيرة جربة التونسية وكلها ثقة بأن تتحقق رغباتها بفضل المعبد اليهودي في جنوب تونس.

وزارت حنان الثلاثينية الكنيس المزركش بالأزرق والأبيض، منذ خمس سنوات وتفصح وابتسامة ترتسم على وجهها “استجاب ربي لي في المرة السابقة ودعوته من أجل ان يتمكن صديقي من انجاب أطفال، وقد تحقق ذلك ولديه الآن طفل في الثالثة من عمره، بالاضافة الى موضوع آخر لا أريد الافصاح عنه وقد تحقق”.

وتعود عفاف لزيارة كنيس “الغريبة” مصحوبة بكارين صديقتها اليهودية الفرنسية والتي غادرت تونس منذ الصغر ولتتمكنا لاحقا وبفضل فيسبوك من التواصل من جديد.

مكنتهما عودتهما الى تونس من استرجاع ذكريات الماضي في منطقة حلق الوادي بالضاحية الشمالية للعاصمة تونس، حيث نشأتا وسط حي يضم يهودا ومسلمين ومسيحيين.

وغادرت أعداد كبيرة من اليهود تونس منذ استقلال البلاد عام 1956 بسبب صعوبات العيش في بلد عربي بالاضافة الى وجود فرص أكثر في أوروبا.

وينظم اليهود التونسيون مراسم الحج للغريبة سنويا، ويبلغ عددهم أكثر من 1200 شخص وغالبيتهم سكان جزيرة جربة وتونس العاصمة وكان عددهم يناهز مئة الف قبل استقلال تونس.

وتتزامن الزيارة التي تستغرق يومين هذه السنة مع شهر رمضان، للمرة الاولى منذ العام 1978، حيث بدأت الاحتفالات في الكنيس منذ الصباح باطلاق الزغاريد وتناول شراب “البوخا” المعد من ثمار التين.

وشارك في إفطار رمضاني نظم بالمناسبة غروب الأربعاء جمع من الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية الاسلامية واليهودية ، إضافة إلى دبلوماسيين وعدد من أبناء مدينة جربة.

تمر عفاف بين الآلاف من الحجاج اليهود الذي جاؤوا من مختلف بلدان العالم لأداء مناسكهم في أقدم كنيس في أفريقيا وهي ليست المسلمة الوحيد التي تأتي خصيصا للمعبد.

ويقول المؤرخ الفرنسي دومينيك جاراسيه والذي شارك في إعداد كتاب حول كنائس اليهود في تونس “بدأ المسلمون يشاركون أكثر فأكثر منذ 15 و20 سنة الماضية”.

-أماكن مقدسة مشتركة-

ويبين المؤرخ في تصريح لوكالة فرانس برس “كانوا ولوقت طويل متفرجين ولكن الآن أصبحت (الغريبة) مرتبطة ببعد سياسي كونها تمكن من إبراز مدى تسامح تونس، وببعد سياحي لأنها مكان تراثي”، ويتابع “أيقن كثيرون أن للكنيس سلطة حقيقية”.

وتطلق كلمة “الغريبة” نسبة للمرأة الشابة الغريبة والمنعزلة والتي تُقصد بغاية طلب السعادة الزوجية والخصوبة والصحة كي تتحقق.

ويفصح المؤرخ انه نادرا ما يمثل الأحبار مقصدا للحج في أماكن أخرى.

ويتفاجئ بعض الحجاج من وجوب خلع الأحذية قبل الدخول الى المعبد ويصرخ أحدهم “لسنا في مسجد”.

ولا يطبق داخل كنيس الغريبة الفصل بين النساء والرجال ولا العادات المحافظة التي عرفت على أهالي جربة.

وتقول لورا الطويل جورنو اليهودية والتي أتت من باريس “كل من يدخل سواء كان مسلما أو كاثوليكيا او يهوديا يمكنه الصلاة هنا”.

وتذكر لاورا أنه واستنادا الى المعتقد “الغريبة” كانت امرأة شابة غريبة عن الجالية وليس هناك تأكيد عن انتمائها الديني.

ويقول ديونيجي ألبيرتا والذي شارك في تنظيم معرض عن الأماكن المقدسة المشتركة إن هذه الظاهرة وهذه الممارسات متواجدة في المغرب.

ويزور بعض اليهود مقام “سيدي محرز” بالعاصمة تونس والذي تم انشاؤه نهاية القرن العاشر ويُعتقد أنه يدعو لتمكين اليهود من حق العيش والسكن في تونس.
ويضيف ألبيرا “الوضع أصبح معقدا أكثر اليوم وأصبح التردد أقل لأن مئات الآلاف من اليهود غادروا المنطقة… تعتبر الغريبة من بين الشواهد النادرة على هذا الالتقاء”.