طبق الأصل صديقي الفيسبوكي.. إعجابات الصحاب لا تصنع الشعراء!
ماجد الحيدر
صديقي الفيسبوكي.
من حقك أن تكتب ما تشاء في صفحتك.. فهي ملك يمينك وأنت حر بها.
من حقك، وقد بلغت من الكبر عتياـ أن تكتشف فجأة بأنك شاعر. ومن حقك أن تسمي ما تنشره شعرا حتى وإن لم تكن تجيد الإملاء ولا تعرف الفرق بين بحر الوافر وبين قرع الطناجر أو الفرق بين المديد وماعون الثريد ولم تتعب دماغك الكريم يوما بقراءة امرئ القيس وطرفة بن العبد والنابغة وزهير وبشار وأبي نؤاس والبحتري والمتنبي والجواهري ولوركا ووالت ويتمان ونيرودا وناظم حكمت و سلمان عبد الحفيظ (منو سلمان عبد الحفيظ؟!)
من حقك، ولنقلها بالعامية، أن تخيط وتخربط: في النحو، في الإملاء، في الوزن، في القافية، في التنقيط، في تلاوة القصيد.. بل وفي كل شيء له علاقة بالشعر..
ومن حقك أيضا ان تمتلئ فخرا وسعادة عندما يصفك أقرانك بالعبقري والمبدع والشاعر الكبير؛ فالطيور على أشكالها تقع.
لكن أرجوك، اتوسل إليك، أقبّل أناملك التي تسطّر الروائع: دع الصحافة الورقية وشانها، بل انسَ شيئا اسمه الورق!
أما إذا كنت مصّرا على ذلك فلا تحرج نفسك بمراسلة صحف ودوريات لا تغامر بتاريخها ورصانتها واحترام الناس لها،.. أو يمكنك (في حال إصرارك على إصرارك) أن ترسل “قصائدك” الى صحف تعتمد على “إبداعات” الكوبي-بيست وهي وافرة وفرة الفقع بعد المطر.
يا حبيبي، يا صديقي. كيف استطيع إقناعك بأن الشعر ليس في أن تكرر حرفا معينا في نهاية كل سطر (ودون أن تلقي بالا الى الحد الأدنى من معرفة قواعد اللغة وحركة الكلمات وموقعها من الإعراب)
وليس الشعر تسطير تأوهات مراهقة متأخرة ( عينيكي.. نهديكي.. شفتيكي…)
ليس الشعر ترديد أمثال أو توجه نصائح أو رفع شعارات.
أنه موهبة تطلع رأسها عادةً في بواكير الصبا ثم يصقلها المران الطويل الشاق والتتلمذ على أيدي الكبار وسهر الليالي والتجربة الحياتية الغنية والانكباب على القراءة المعمقة للتاريخ والفلسفة واللغة بل وكل مناحي الفكر والثقافة والأدب!
إنه باختصار خلق مقارنات وصور مدهشة تلامس العقل والروح بلغة جميلة (وسليمة بالطبع) وأنت (مع بالغ الأسف)… لا صور ولا لغة!
ويا صديقي، يا حبيبي، يا تاج رأسي: كيف استطيع إفهامك بأن الحكم في كونك شاعرا من عدمه لا يرجع إليك ولا الى أصدقائك ومحبيك ونواياهم الطيبة وكثرة ما يغدقون عليك من “لايكاتهم”؟
كيف استطيع إقناعك بأن الاكتفاء بالقراءة وتذوق الشعر (والأدب عموما) متعة نبيلة لا تقل روعة ورُقيّا عن تجربة الخوض فيه كاتباً، وبأن استمتاعك بسماع أغنية جميلة لا يعني بالضرورة تحولك الى مطرب محبوب أو ملحن يأسر القلوب.. وليس في هذا عار ولا منقصة!
أما إذا أردت أن تصر على الإصرار على إصرارك، فلا بأس: املأ صفحتك بما تجود به قريحتك، لكن لا ترسل شيئا للنشر إلا إذا حزت على اعتراف عدد لا بأس به من الشعراء “الحقيقيين” وأنت تعرف أين تجدهم!
ولا تحسب يا صاحبي بأنني أصادر حريتك وحقك في التعبير. إن هي إلا نصيحة محب وامق لا يريد لك إلا الخير. وإذا أردت المختصر المفيد فاسمع الحطيئة وهو يناديك من وراء القرون:
الشِعرُ صَعبٌ وَطَويلٌ سُلَّمُه
إِذا اِرتَقى فيهِ الَّذي لا يَعلَمُه
زَلَّت بِهِ إِلى الحَضيضِ قَدَمُه
وَالشِعرُ لا يَسطَيعُهُ مَن يَظلِمُه
يُريدُ أَن يُعرِبَهُ فَيُعجِمُه !