2024-11-28

تموتُ .. عندما لايتذكركَ أحَد

امين يونس
يتذكرُ المرءُ الموتَ ، عادةً ، حين يشتدُ عليهِ المرض أو حين يفقد قريباً أو عزيزا . قُلتُ لحمكو المولَع بالأمثال والأقوال : حقاً ان المَثَل الفرنسي ( لا دواء ضد الموت ) صحيحٌ تماماً . قال : أتفق معك ، وفي أحيانٍ كثيرةٍ وكما يقول غسّان كنفاني ( أن قضية الموت ليستْ أبداً قضية المَيِت ، بل هي قضية الباقين ) … فالراحِل إنتهتْ مهمته ونَفَذَ وقته وغاب عن الوجود ، لكن آثاره ومتعلقاته ونتائج أفعاله ونشاطاته حين كان حياً يُرزَق ، تُؤثِر على عائلته ومحيطه لسنواتٍ طويلة … نعم ان الباقين هم الذين يتحملون ما يترتب عن الموت ، سواء كان سلباً أم إيجاباً .
– طيب ياحمكو .. مارأيكَ في قَول تولستوي ( الشخص الذي لهُ فِكرة خاطئة عن الحياة ، ستكون لهُ دوماً فِكرة خاطئة عن الموت ) ؟ .
* رُبّما … ولكن هذه مسألة مُعّقَدة ، فلا أرى بأن ” تحديد ” فِكرة عن الحياة او الموت ، أمرٌ سهل .. فلكي تستطيع الخَوض في هذا الأمر ، لستَ بحاجةٍ فقط إلى شيءٍ من المعرفة او التجربة ، بل إلى الفلسفةِ أيضاً . علماً أن أبيقور يقول ( أننا لا نعرف شيئاً عن الحياة حتى الآن ، فكيف نعرفُ عن الموت ؟ ) .
– هنالك مَنْ ماتَ قبل سنين طويلة ولكنهُ يُذكَر بين الحين والحين ، بينما آخَرون لا يتذكرهم أحَد وكأنهم لم يكونوا . ولهذا أنا مُعجبٌ بهذا الحوار :
[ متى برأيكَ يموت الإنسان ؟
عندما تخترقُ رصاصة قلبه
خطأ
عندما يبتلع مادةً سّامة
خطأ
عندما يُصاب بمرضٍ لا علاج له
كلا .. خطأ
بل يموت عندما ينساهُ الآخرون ! ] .
* هل تعتقد ان قَول سوفوكليس ، صحيح ( أن الموت لا يأخذ أبداً رجلاً شريراً .. لكنهُ ينتقي الأفضل دائماً ) ؟
– حسناً .. عندما مات هتلر أو صدام ، مثلاً .. ألَمْ يكونوا أشراراً ؟ رُبما يرى مُرافِق هتلر أنهُ من الأخيار ، أو تَجِد إبنة صدام أنهُ الأفضل .
* من جانبٍ آخَر .. نتصّور في اللحظات الأولى من تلقينا نبأ وفاة عزيزٍ علينا ، بأنها مُصيبةٌ لاتقومُ بعدها قائمة .. لكن الواقع يُظهِر شيئاً مُختلِفاً : فبعد أيامٍ معدودةٍ فقط ، نعود تدريجياً إلى وتيرة الحياة . فكما يقول المهاتما غاندي ( في غمرة الموت تستمرُ الحياة .. في غمرة الكذب تستمر الحقيقة .. في غمرة الظلام يستمرُ الضوء ) .
– كذلك جميلٌ قَول علي بن أبي طالب ( موتُ الصالِح راحةٌ لنفسهِ وموتُ الطالح راحةٌ للناس ) .. فالجّلادُ أوالحاكِمِ المُستبدُ أو الظالمُ والمُعتدي ، حين يموت ، فأن ذلك راحة للمستضعفين والضحايا . وهو شبيهٌ بالمَثَل الفرنسي ( في موتِ الذئبِ حياةٌ للغَنَم ) . في حين ان مثلاً آيسلندياً يقول ( في موتِ أحدهم خُبزٌ للآخَر ) . وفّكِر جيداً في المَثَل البولندي ( وصِية الميت هي مرآة حياته ) فإذا كانَ على شئٍ من العدالة والإنصاف والإتزان خلال حياته ، فأن ذلك سينعكس حتماً في وصيته ، التي من المُفتَرَض أن يكون كتبها بعد تفكيرٍ وتمحيص .
* تُجار الحروب والمتحكمين في سياسات العالم ، يُطبِقون ، مِقولة إيزابيل ألليندي ( القتلُ في سبيل الوطن أسهلُ كثيراً من الموتِ من أجل الوطن ) .
وماالضير أن نختُمَ بإبتسامة ، مع قَول محمد عفيفي ( الفرقُ بين الزواج والموت ، هو أنهُ ليسَ من المُحّتَمِ إنْ مُّتَ أن تدخُل جهنَم ! )
.