مسؤول امريكي يبدي ارتياحه لإبقاء لندن وباريس قوات في سوريا ثلاثة أيام لحسم المعركة في الباغوز مع استمرار مشكلة المقاتلين الأجانب المستسلمين
الأهالي ريبورت:
أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، أن الولايات المتحدة “متفائلة جداً” حيال مشاركة فرنسا والمملكة المتحدّة في القوة التي قرر الرئيس الأميركي إبقاءها في سوريا، وذلك بعد اسابيع من اعلان مسؤولين امريكيين عن ابقاء قوة تضم نحو 400 مقاتل في مناطق شمال شرق سوريا التي يديرها الكرد.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعلن نهاية العام الماضي عن سحب كامل القوات الأمريكية من سوريا والمقدرة بالفي مقاتل بعد القضاء على تنظيم داعش، لكن ترامب تراجع عن قراره تحت ضغط كبار القادة العسكريين والسياسيين الذين شددوا على اهمية ابقاء قوة امريكية في سوريا بعد تدمير داعش، في اطار عملية لمراقبة التنظيمات الاسلامية المتطرفة ومنع عودتها الى جانب منع تهديد المناطق الكردية من قبل تركيا.
وقال جون بولتون لقناة “ايه بي سي” الأميركية “من خلال محادثاتي مع نظيري البريطاني والفرنسي، أنا متفائل جداً لمشاركتهم”.
ولا شيء رسمي حتى الآن بشأن ابقاء قوات بريطانية وفرنسية الى جانب القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، لكن رئاسة الأركان الأميركية تواصل مشاوراتها، كما أوضح المسؤول في البيت الأبيض. وتأمل الادارة الأمريكية ان يحتفظ حلفاءها بأكثر من ألف مقاتل في سوريا الى جانب القوات الأمريكية.
وأكد بولتون أن لا تعارض بين التصريحات التي يكررها ترامب بدون توقف منذ أسابيع بأن “الخلافة” المعلنة من قبل تنظيم داعش قد انتهت مئة في المئة، وتصريحات قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزف فوتيل الذي قال إن المعركة ضد التنظيم “بعيدة من الانتهاء”، في اشارة الى ان التنظيم سيبقى مصدر تهديد من خلال العمليات الهجومية المنفردة وان لم يحتفظ بأراض.
واوضح بولتون إن ترامب “لم يتحدث أبداً عن أن القضاء على الخلافة على الأرض يعني نهاية” تنظيم داعش بشكل عام.
وتابع “نعلم بأن الوضع ليس كذلك”، موضحاً أن “التهديد سيبقى، لكن واحداً من الاسباب التي من أجلها يلتزم الرئيس إبقاء وجود أميركي في العراق وقوة صغيرة من المراقبين في سوريا، هو التصدي لاحتمال عودة حقيقية للتنظيم”.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مفاجئ في كانون الأول 2018 السحب الكامل والنهائي لألفي جندي أميركي منتشرين في شمال شرق سوريا، معلناً انتصاراً تاماً على تنظيم الدولة الإسلامية.
وكان فرنسا وعدة دول اوربية تتواجد في سوريا في اطار التحالف الدولي، قد انتقدت القرار الامريكي بشدة، واكدت ضرورة وجود القوات الأمريكية كشرط لاستمرار وجود قوة اوربية، مبينة انهم تواجدوا في المنطقة بقرار مشترك ويجب ان يكون انسحابهم او استمرار تواجدهم بقرار مشترك ايضا.
ومنذ ذلك الحين، حاول الكونغرس والبنتاغون إقناعه بعدم التسرع في الانسحاب وإبقاء نحو 200 عنصر أميركي في هذه المنطقة التي لا يسيطر عليها النظام السوري، تدعمهم قوات من الدول الحليفة، بحسب “ا ف ب”.
وتهدف هذه القوة المتبقية إلى ضمان أمن المقاتلين الكرد السوريين، فيما يخشى الأوروبيون أن يجدوا أنفسهم في وضع صعب إذا قامت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي بعملية ضدّ المقاتلين الكرد الذين تعتبرهم انقرة “إرهابيين” وتهدد بين فترة واخرى بشن عملية واسعة ضد المناطق الكردية على غرار العملية التي نفذت في عفرين والتي ادت الى سيطرة تركيا ومجموعات سورية مؤيدة لها على المدينة وارتكاب انتهاكات واسعة فيها بدءا من القتل والسلب والخطف وفرض اتاوات، بحسب منظمات دولية.
سنبقى في سوريا كجزء من قوة دولية
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أن القوات الأميركية التي ستبقى في مناطق الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا ستكون جزءا من قوة متعددة الجنسيات تهدف لمنع عودة تنظيم داعش، ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
وقال المتحدث باسم الخارجية روبرت بالادينو، إن عملية تخفيض القوات ستتواصل، موضحا: “بينما تتم عملية الانتقال فإننا سنواصل العمل مع الحلفاء والشركاء من أجل تنظيف المناطق المحررة وتنفيذ عمليات محددة لمكافحة الإرهاب ودعم جهود إعادة الاستقرار”.
وأشار بالادينو إلى أن المحادثات مستمرة بين واشنطن وحلفائها بشأن مستقبل المنطقة، رافضا تحديد الدول التي ستشارك في هذه القوة متعددة الجنسيات.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أجرى محادثات مع نظيريه البريطاني والفرنسي، منتصف الاسبوع الماضي، بشأن الوضع في سوريا والتقى بالمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون.
استئناف الهجوم على داعش
في سياق متصل استأنفت قوات سوريا الديموقراطية هجومها، مساء يوم الأحد، على الجيب الأخير لتنظيم داعش في شرق سوريا، بعيد اعلانها أن مهلة استسلام مقاتليه قد انتهت، في خطوة تقربها من اعلان انتهاء “خلافة” أثارت الرعب على مدى سنوات.
وأطلقت الفصائل الكردية والعربية المدعومة من واشنطن مطلع الشهر الحالي هجومها الأخير ضد مقاتلي التنظيم، بعد عمليات إجلاء استمرت أسبوعين. ثم علقته بعد يومين افساحاً في المجال أمام الراغبين مجدداً بالخروج. وخرج منذ ذلك الحين آلاف الرجال والنساء والأطفال من منطقة سيطرة التنظيم.
وقدرت مصادر سورية مطلعة ان اكثر من 62 الف شخص خرجوا من مناطق التنظيم وسلموا انفسهم لقوات سوريا اليدمقراطية منذ بدء عملية الهجوم على الباغوز قبل نحو ثلاثة اشهر. وبين المستسلمين آلاف من مقاتلي التنظيم وعوائلهم وجزء كبير منهم من العراقيين فيما يبلغ الأجانب ايضا بضعة آلاف.
محاكمة الأجانب في العراق
وتواجه قوات سوريا الديمقراطية التي تضم مقاتلين عرب وكرد ومسيحيين، مشكلة كبيرة في استقبال وتأمين الحاجات الغذائية لهذه الاعداد الكبيرة من المقاتلين المستسلمين او لضمان أمنهم وعدم هروبهم وتسللهم من مواقع الاحتجاز، وتطالب دولهم باستلامهم ومحاكمتهم لكن معظم الدول الغربية ترفض استلامهم وقررت التخلي عنهم.
وسلمت قوات سوريا الديمقراطية للعراق بضعة مئات من المقاتلين العراقيين في صفوف داعش قبل اسبوعين، كما سلمت عددا صغيرا من الأجانب، وذكر الرئيس العراقي برهم صالح ان مقاتلي التنظيم الأجانب قد يواجهون الإعدام.
وقال صالح في مقابلة مع صحيفة (ذا ناشيونال) التي تصدر بالإنجليزية في أبوظبي، إن مقاتلي تنظيم داعش الأجانب “سيحاكمون وفقا للقانون العراقي وربما تصدر عليهم أحكام بالإعدام إذا ما أُدينوا”.
وذكر الجيش العراقي إن قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة سلمت الشهر الماضي نحو 280 عراقيا وأجنبيا يشتبه بأنهم أعضاء في التنظيم، متوقعة حدوث عمليات تسليم مشابهة بموجب اتفاق لنقل نحو 500 شخص تحتجزهم تلك القوات في سوريا.
وكان رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي قال إن العراق إما سيساعد في إعادة غير العراقيين من أعضاء تنظيم داعش إلى دولهم أو محاكمة أولئك المشتبه في ارتكابهم جرائم ضد العراق والعراقيين.
وبموجب القانون العراقي قد يواجه هؤلاء عقوبة الإعدام.
مهلة استسلام داعش انتهت
في ذات السياق قال المتحدث باسم حملة قوات سوريا الديموقراطية في دير الزور عدنان عفرين لوكالة فرانس برس “لم نشاهد الأحد أي تحرك لمدنيين في الداخل، لذلك استأنفت قوات سوريا الديموقراطية العمليات العسكرية ضد التنظيم”.
وجاء هذا الاعلان بعيد اعلان مدير المركز الاعلامي لقوات سوريا الديموقراطية مصطفى بالي في تغريدة على تويتر أن “مهلة استسلام داعش قد انتهت، قواتنا تلقت الأوامر بالتحرك العسكري للقضاء على ما تبقى من إرهابيين في الباغوز”.
ويقتصر وجود التنظيم في الباغوز حالياً على مخيم عشوائي محاط بأراض زراعية يقع على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، وتسيطر قوات سوريا الديموقراطية على جزء صغير منه.
وبدأت حملة القصف وفق ما أوضح بالي لفرانس برس عند الساعة السادسة مساء وقال “استهدف الطيران مخازن أسلحة، واستهدف السلاح الثقيل تمركزات الإرهابيين أيضاً”، متحدثاً عن “اشتباكات مباشرة وعنيفة بين المقاتلين في محيط المخيم”.
وتبقي قوات سوريا الديموقراطية وفق بالي، على ممر مخصص للخروج من جيب التنظيم، في حال كان “هناك مدنيون” في الداخل يرغبون بالخروج. وبعد توقف الجمعة، خرج نحو مئة شخص فقط السبت من البقعة المحاصرة.
ولا تملك هذه القوات، وفق عفرين احصاءات ب”عدد ثابت للمقاتلين في الداخل”.
ولم تكن أعداد الذين خرجوا منذ منتصف الاسبوع الماضي وغالبيتهم مدنيون من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم في حسبان قوات سوريا الديموقراطية وشريكها التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وكذلك الأمر بالنسبة للمنظمات الدولية التي تعمل طواقمها بطاقاتها القصوى في مخيمات النزوح، لا سيما مخيم الهول شمالاً.
خيم خالية وخنادق
عند نقطة متقدمة لقوات سوريا الديموقراطية في البلدة، تمكن فريق من وكالة فرانس برس السبت من معاينة الجيب الأخير للتنظيم.
وقال المقاتل أحمد سيان (24 عاماً) في المكان لفريق الوكالة “نحن الآن في مخيم الباغوز، نبعد عشرات الأمتار عن داعش، هذه أقرب نقطة نصل إليها”، بينما اشار بيده إلى رجال بلباس رملي اللون، مرجحاً أن يكونوا من مقاتلي التنظيم.
في خيم أخلاها التنظيم، شاهدت صحافية في فرانس برس قدوراً ومدفئة وحقائب موجودة على الأرض. وقربها رماد من بقايا نيران استخدمت للطبخ، بالإضافة إلى حفر لا يتخطى عمقها مترا، تحوط بها أغطية من كل جانب، اتخذها المحاصرون ملجأ لهم.
وتفصل بين قوات سوريا الديموقراطية ومقاتلي التنظيم خيم خالية وخنادق محفورة بعضها قرب بعض وهياكل سيارات محترقة.
ولطالما كرر قادة قوات سوريا الديموقراطية خلال الأسابيع الأخيرة تأكيدهم أن الحسم العسكري سيكون خيارهم الوحيد في حال رفض مقاتلو التنظيم الاستسلام، تمهيداً للقضاء على التنظيم.
ومع استعدادها لاطلاق هجومها الأخير، توشك قوات سوريا الديموقراطية على اعلان الانتصار على التنظيم المتطرف، الذي أعلن إقامة “الخلافة” في العام 2014 في مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور وأثار الرعب على مدى سنوات.
المعركة الأخيرة
وبدأت هذه الفصائل الكردية والعربية بدعم من التحالف هجومها في أيلول ضد جيب التنظيم في ريف دير الزور الشرقي، وتمكنت من السيطرة على الغالبية الساحقة منه.
وعلى وقع التقدم العسكري، فرّ نحو 60 ألفاً من مناطق سيطرة التنظيم، غالبيتهم من النساء والأطفال، وبينهم عدد كبير من الاجانب. ومن بين الخارجين أكثر من ستة آلاف من عناصر التنظيم، تم توقيفهم بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتوزع هؤلاء على مخيمات تديرها قوات سوريا الديموقراطية في شمال شرق البلاد أبرزها مخيم الهول، فيما تمّ نقل المشتبه بانتمائهم الى التنظيم الى معتقلات، لا تعرف مواقعها.
ومُني التنظيم بخسائر ميدانية كبيرة خلال العامين الأخيرين بعد سنوات أثار فيها الرعب بقواعده المتشددة واعتداءاته الوحشية، وأصدر مناهجه الدراسية وعملته الخاصة وجنى الضرائب من المواطنين.
ولا يعني القضاء على التنظيم في شرق سوريا انتهاء خطره، مع انتشاره في البادية السورية المترامية المساحة، وقدرته على تحريك “خلايا نائمة” تابعة له تنفذ هجمات دامية واغتيالات وتضغ عبوات ناسفة في المناطق التي تم طرده منها.
وعلى بعد عشرات الأمتار من نقاط وجود التنظيم في الباغوز، يقول شيفان وهو شاب مقاتل في قوات سوريا الديموقراطية لفرانس برس “لم يعد لديهم إلا المخيم، لقد خسروا (…) المعركة محسومة وباتوا خاضعين للأمر الواقع”.
ثلاثة أيام لحسم الأمور
وتوقع مسؤول بقوات سوريا الديمقراطية، أن تستغرق المعركة الأخيرة ضد المتطرفين ثلاثة أيام.
وقال أراس أوركيش، إن لديهم حوالي 2500 مقاتل مستعدون للمعركة في قرية الباغوز والمناطق المحيطة بها، مضيفا “ما يعوقنا هو المدنيون، يمكننا رؤية النساء والأطفال داخل القرية.”
وتحت غطاء قصف قوات التحالف في الأول والثاني من مارس، تقدمت قوات سوريا الديمقراطية باتجاه القرية المحاصرة، تاركة ممرًا للراغبين في المغادرة. وعقب هذه العملية، قام الآلاف من السكان والعديد من المقاتلين بالخروج من الباغوز خلال الأيام الأربعة التالية. بيد أنه منذ يوم الجمعة، خرجت مجموعة صغيرة فقط، مما أثار تكهنات باحتمال التخطيط لهجوم جديد.
والسبت، أمكن رؤية علم داعش الأسود داخل الباغوز عن بعد وكذلك شاحنات تتحرك. وعلى خط المواجهة، اتخذ مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية موقفا أكثر تساهلا فيما كان البعض يتجولون على أسطح المنازل أمام مقاتلي داعش.
وفي واشنطن، أشارت تقديرات مسؤول بارز في وزارة الدفاع أن ما يقرب من 20 ألف شخص بينهم 3500 إلى 4000 شخص بالغ، خرجوا من الباغوز منذ 20 شباط.
وقال المسؤول، ان كل من تبقوا في القرية، بما في ذلك النساء والأطفال، ينظر إليهم باعتبارهم من أتباع داعش أو موالين للتنظم. وأضاف إنه لن يكون من قبيل المفاجأة، بناء على الظروف الحالية، أن يستغرق الأمر أسبوعين آخرين للسيطرة على آخر معاقل داعش.
س ن