موظفو كردستان: الغاء الادخار فرحة قد يفسدها ارتفاع الأسعار
الأهالي ريبورت/ عمر عادل
ثلاثة أعوام مرت وأنا أقف على هذا الرصيف بعد ظهر كل يوم صيفاً وشتاءً لأبيع لعب الأطفال وبعض الملابس بعد انتهاء دوامي الرسمي لأتمكن من إعالة أسرتي ولكي نتجاوز الضائقة المالية التي عصفت بنا منذ أن قررت حكومة إقليم كردستان فرض نظام الادخار الإجباري على رواتب موظفي الدولة.
بهذه الكلمات بدأ مدرس الاجتماعيات الخمسيني رزكار إبراهيم حديثه لـ (صبـاح كوردستـان) عن معاناته الشخصية بعد أن تقطعت به السبل لسد النقص الحاصل في عائده المالي نتيجة لقرار الادخار في الرواتب والذي كان قد أتى على ثلث راتبه الشهري.
وكانت حكومة اقليم كردستان قد اعلنت عن “إلغاء نظام ادخار رواتب الموظفين” بدءاً من شهر آذار الجاري بعد العمل به لثلاث سنوات متتالية بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقليم نتيجة تراجع اسعار النفط في السوق العالمية والحرب ضد تنظيم داعش الارهابي.
وقال إبراهيم إن “حكومة إقليم كردستان كانت مجبرة على اتخاذ قرار صعب كهذا ونحن كمواطنين تفهمنا الملابسات الاقتصادية والسياسية التي قادت إلى فرضه علينا وتناقشت مع زملائي كثيراً حول هذا الموضوع لأننا معتادون على تحمل تبعات ما يقوم به السياسيون في بغداد وكردستان منذ أمد بعيد”.
وأوضح إبراهيم أن “الضائقة المالية التي مرت بنا نحن شريحة المدرسين والمعلمين كانت أشد وطأة مقارنة بالمهن الأخرى ذلك لأن الطبيب والمهندس ربما يستطيع إيجاد عمل إضافي في القطاع الخاص إلا أن المدرس والمعلم لا يمكنه العمل في المدارس الخاصة بسبب اختلاف المناهج وبسبب تضارب أوقات الدوام بين المدارس الحكومية والخاصة”.
وأضاف “لذلك كان علينا ان نبحث عن وسيلة بديلة لتأمين قوت عوائلنا سواء بالعمل كباعة متجولين على أرصفة الأسواق أو العمل كسائقي أجرة والبعض منا عمل في المخابز والمطاعم أو في أية مهنة شريفة أخرى تبقي هاماتنا مرفوعة ولا تجعلنا نضطر إلى طلب المعونة من الناس”.
وتابع إبراهيم أن “طلبة وتلاميذ كردستان أمانة في أعناقنا ومستقبلهم هو دعامة مستقبل الوطن لذلك كان لزاماً علينا أن نستمر في تأدية واجبنا تجاههم كتدريسيين ومربين لهذا الجيل، فحاولنا قدر الإمكان أن نوصل رسالتنا بإخلاص ومهنية رغم العوز والتعب والمشقة لأننا حريصون على مستقبل أبنائنا وبناتنا”.
تفاصيل الغاء الادخار
وعقد مجلس وزراء اقليم كردستان، الجمعة الماضية، اجتماعا برئاسة نيجرفان بارزاني، ونائبه قوباد طالباني، وذكر بيان حكومي حصلت (الاهالي ريبورت) على نسخة منه، ان الاجتماع كرّس لمناقشة واتخاذ قرار بشأن قرار سابق لمجلس الوزراء (القرار 64) صدر في 3 شباط 2016 والخاص بادخار نسبة من المستحقات المالية لموظفي إقليم كردستان.
خلال الاجتماع، قدم ريباز حملان وزير المالية والاقتصاد لمجلس الوزراء تقريراً عن الوضع المالي والاقتصادي لإقليم كردستان، وتحسن الوضع المالي وإقرار وصرف حصة إقليم كردستان من قانون الموازنة العامة العراقية للعام 2019.
وبحسب البيان، عرض آمانج رحيم سكرتير مجلس الوزراء، تقريراً قانونياً في الموضوع ذاته على مجلس الوزراء، وبعد دراسة دقيقة للتقريرين من قبل مجلس الوزراء ومناقشتهما وتبادل الآراء حولهما، قرر المجلس الاتي:
1-إلغاء القرار المرقم (64) لمجلس الوزراء الصادر في 3 شباط 2016 الخاص باتباع نظام ادخار نسبة من المستحقات المالية لموظفي إقليم كردستان.
2-بخصوص نسبة المستحقات المالية للموظفين التي تم ادخارها، تحت مسمى (أمانات رواتب مستحقة)، ستبذل حكومة إقليم كردستان الجهود اللازمة لصرف تلك المستحقات المالية لموظفي إقليم كردستان في إطار المحادثات والحوار مع الحكومة الاتحادية.
3-تتولى الوزارات والجهات المعنية تنفيذ هذا القرار ويُنشر القرار في جريدة (وقائع كوردستان)”.
الرواتب ستدفع كاملة
وأعلن رئيس وزراء اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني بعد الاجتماع المذكور الغاء ادخار رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام في الاقليم.
وقال بارزاني في مؤتمر صحفي مشترك مع نائب رئيس الحكومة قوباد طالباني ووزير المالية ريباز حملان: “يسعدني ان أعلن انه اعتباراً من الشهر الجاري تقرر الغاء الادخار الاجباري لرواتب الموظفين”، مردفا بالقول ان “الرواتب سيتم دفعها كاملة وبلا استقطاع”.
واضاف انه “كما هو معلوم لدى جميع ابناء شعب كردستان انه بسبب الاوضاع الصعبة التي مررنا بها والتي كانت خارجة عن أرادة حكومة الاقليم، قبل ثلاث سنوات من الان اتخذنا قرار الادخار وكنا مجبرين عليه وحقيقة لم يكن قرارا سهلا عليّ وعلى قوباد طالباني”.
وتابع بارزاني بالقول ان “قرار الغاء الادخار ما كان باستطاعتنا اتخاذه لولا تفهم شعب كردستان وتحملهم، وقد تعهدنا سابقا بأننا في اي وقت نصل فيه الى قناعة ونتمكن من الغاء الادخار فإننا لن نتردد في ذلك وقد حان الوقت وهو هذا اليوم لكي نقول ان الادخار قد تم الغاؤه وقد وفينا بما تعهدنا به امام الشعب”.
وعن القضايا العالقة بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية قال بارزاني “نتمنى ان نصل الى نتائج طيبة مع بغداد في حل تلك الخلافات والا نعرض شعب كردستان مرة اخرى للعقوبة”.
وقدم بارزاني شكره للبرلمانيين الكرد في البرلمان الاتحادي، ولرئيس مجلس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي “لتفهمه للموضوع وبذله المساعي في الغاء الادخار”.
كما قدم شكره لوزير المالية في الحكومة الاتحادية فؤاد حسين “الذي كان ومنذ البداية متواصل على الخط مع الفريق المكلف بإلغاء الادخار”.
“دين في عنق الحكومة”
من جهته وصف قوباد طالباني نائب رئيس وزراء اقليم كردستان، المبالغ المدخرة من رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام بأنها “دين في عنق” حكومة الاقليم.
وقال طالباني في منشور على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إن “المبالغ المدخرة من رواتب الموظفين دين في عنق حكومة الاقليم”.
واضاف انه “كما تم الاعلان عن الغاء الادخار كذلك تتجه انظارنا الى مناسبة مماثلة لنعلن عن الكيفية والآلية لاعادة تلك المبالغ”.
تحذيرات من الاستغلال السيء
الأستاذة الجامعية منى بختياري، ترى أن قرار إلغاء ادخار الرواتب يجب ألا يتم استغلاله بشكل سيء من قبل بعض التجار الذين يبيعون السلع الأساسية والمواد الغذائية للمواطنين.
وناشدت الحكومة باتخاذ إجراءات قانونية بحق أولئك الذين قد يحاولون زيادة أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية وافتعال أزمات معينة في السوق بغية احتكار سلع معينة ورفع اسعارها.
وقالت بختياري لـ (الاهالي ريبورت) إن “بعض التجار بدأوا فعلاً بافتعال أزمات، الغاية منها رفع أسعار الخضروات واللحوم والمواد الغذائية وهم بذلك قد سبقوا إعلان قرار إلغاء الادخار الذي لم ينفذ بعد وبدأوا باستغلال حاجة المواطن إلى المواد الغذائية والخضروات والسلع الأساسية من خلال رفع أسعارها لزيادة ارباحهم على حساب الموظف البسيط الذي عانى مادياً منذ اربع سنوات”.
وأوضحت بختياري أن “من واجب حكومة إقليم كردستان حماية مواطنيها من جشع بعض التجار، لأن التلاعب بقوت المواطن اليومي وحرمانه من احتياجاته الأساسية من خلال احتكارها أو رفع أسعارها لا يقل خطورة عن التنظيمات الإرهابية التي تستهدف المواطنين الأبرياء لتزعزع أمنهم واستقرارهم”.
ودعت وزارة التجارة في حكومة إقليم كردستان وادارات المحافظات إلى “مراقبة الأسواق والسيطرة على أسعار السلع الأساسية وتأمين توفيرها للمواطنين بكميات كافية ونوعيات جيدة وأسعار مناسبة لمنع ضعاف النفوس من زيادة أرباحهم على حساب رواتب الموظفين، خاصة ونحن مقبلون على مناسبات مهمة مثل أعياد نوروز وبعدها حلول شهر رمضان المبارك والذي اعتاد المواطنون فيهما الى شراء كميات إضافية من اللحوم والمواد الغذائية احتفالاً بتلك المناسبات”.
يذكر أن أسعار اللحوم وبعض الفواكه والخضر وبخاصة محاصيل الطماطم والبرتقال والتفاح، قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في أسواق إقليم كردستان مطلع شهر آذار الجاري نتيجة لقرار الحكومة الإيرانية إيقاف تصدير المواد المذكورة إلى إقليم كردستان الذي يستورد الطماطم من تركيا وإيران والبصرة فضلاً عن المنتج المحلي من أجل سد حاجة السوق الكردستاني.
انتعاش سوق العقارات والسيارات
ويرى الخبير الاقتصادي منذر الجاف أن صرف مستحقات موظفي القطاع العام المدخرة منذ شباط 2016 سينعش حركة السوق المحلي وخاصة في قطاع العقارات والسيارات وقد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بمجرد البدء بتنفيذه.
وقال الجاف لـ (الاهالي ريبورت) إن “الأزمة الاقتصادية وتطبيق نظام ادخار رواتب الموظفين أثر بشكل سلبي على سوق العقارات والسيارات في إقليم كردستان بعد أن شهد القطاعان ازدهاراً كبيراً قبيل ظهور تنظيم داعش في العراق”، متوقعاً أن “يزيد صرف مستحقات الادخار من الطلب على العقارات والسيارات مما سيؤدي إلى انتعاش أسواقها مرة أخرى بعد ركود نسبي امتد لنحو خمس سنوات”.
وتابع أن “معظم موظفي القطاع العام لا يمتلكون خبرة في مجال استثمار الأموال وعليه سيعمدون إلى وضع مدخراتهم في مجال آمن ومضمون وأرباحه جيدة نسبياً ألا وهو مجال العقارات مما سيرفع قيمة التداول في هذا السوق فيزيد الطلب على المعروض وبالتالي زيادة الأسعار”.
العودة للقطاع العام
وأشار الجاف الى أن مواطني إقليم كردستان ومعظم مناطق العراق يعتبرون الوظائف في القطاع العام ضماناً للمستقبل لأن معظم العاملين في القطاع الخاص لا يحصلون على راتب تقاعدي كما هو الحال مع موظفي الدولة.
وأوضح ان “معظم الشباب يحاولون بعد تخرجهم الحصول على وظيفة حكومية ويفضلونها على القطاع الخاص الذي يشترط الخبرة والمهارة والمؤهلات العالية في كثير من الأحيان، لذلك فإن القطاع الحكومي يعد الجاذب الأكبر للشباب والخريجين الجدد لأنه يمثل الأمان والاستقرار بالنسبة لهم ولعوائلهم”.
وأضاف ان “الأزمة المالية وتطبيق نظام الادخار أضعف بشكل كبير الثقة في القطاع العام لعدم قدرته على تأمين رواتب موظفيه وتأثره بالأزمات السياسية بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، إلا أن إلغاء الادخار سيعيد الثقة بالقطاع العام وسيؤدي إلى المنافسة عليه ورفده بالطاقات الشابة الواعدة وسيخفف ذلك من شدة المنافسة في سوق العمل وبالتالي خفض نسبة البطالة”.
ترحيب بالغاء الادخار
ورحبت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان الاقليم، بقرار حكومة اقليم كردستان بإلغاء نظام الادخار الاجباري لرواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام.
وذكر بيان صادر عن الكتلة حصلت (الاهالي ريبورت) على نسخة منه، ان “كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني وكممثل لشعب كردستان بأغلبية اصواته، ومع ترحيبها بالقرار الغاء الادخار لرواتب الموظفين في الاقليم فإنها تدعم ذلك القرار وتعده قرارا صائبا وحقا من حقوق الشعب”.
وأضاف البيان ان قرار الادخار كان “قرارا ثقيلا وشاقا” ولكنه لم يكن بإرادة المؤسسات والدوائر في اقليم كردستان “بل مثل عقوبة سياسية لشعب كردستان من قبل الحكومة العراقية في وقتها اضافة الى انخفاض اسعار النفط، وحرب داعش ومواجهة الارهاب، وتوافد عدد كبير من النازحين الى اقليم كردستان واتخاذه ملاذا امنا لهم”.
وعد البيان قرار الغاء الادخار بـ “التاريخي”، معبرا عن شكره للصمود والروحية المسؤولة لشعب كردستان وتحملهم الذي هو الضمانة الدائمة للتقدم، وبقاء قوة كردستان.