قراءة في الاستراتيجية الأميركية في كوردستان سوريا
عبد اللطيف موسى
إن غرف وكواليس دبلوماسية صناعة القرار السياسي في أروقة البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ عهد الرئيس الأول للولايات المتحدة الأميركية جورج واشنطن تعتمد في استراتيجيتها على ما أبعد من الواقع الذي يخدم مصلحة الأمن القومي الأميركي المعتمد على الإفادة والمصلحة النفعية الأميركية و سياسية (أمريكا أولاً) في استراتيجية غير ثابتة ومتحولة بحكم الظروف المتغيرة، وتعتمد على التذبذب والتغير في تحول الواقع السياسي والجغرافي فلا صديق دائم في السياسية، وعدو الأمس صديق اليوم.
السياسية الأميركية تعتمد على التحليل المعمق في المرور بمراحل متعددة من التنقيح والتحليل قبل المبادرة بفتح أي قناة دبلوماسية أو علاقة سياسية مع أي دولة أو كيان سياسي، من الأمثلة المتعددة على السياسيات والاستراتيجيات الأميركية المتغيرة بفعل المصالح في ليبيا والعراق وإيران والكثير من الدول الشرق الأوسطية والأفريقية التي مرت علاقتها مع الولايات المتحدة بفترات من العسل والحصرم والكره وكما وصلت إلى حد التدخل العسكري في الحين الأخر.
الأمر الذي يقودنا الى حقيقة واقعية بأنه لا شيء ثابت في سياسية الولايات المتحدة، فالسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان ولأي متتبع للشأن الكوردي ما حيز الواقع الكوردي من تلك السياسية؟ يمكن القول وبصراحة بأن الواقع الكوردي كان مريراً مع تلك السياسية فجميع الثورات الكوردية (روزهلات وبا كور وباشور كوردستان) والتي قامت ما قبل وبعد الحروب العالمية الأولى والثانية ومفرزاتها من اتفاقيات (سيفر ولوزان) كانت جميعها مآلها ومردها للفشل بسب افتقارها للدعم السياسي من الدول العظمى وبالأخص أميركيا.
ويضاف إلى ذلك ما كان للنقص في الخبرة السياسية لبعض قادة تلك الثورات بما يخدم المصلحة الكوردية (فما كان يكسبه الكوردي بالحرب والسلاح ما يلبث أن يفقده في السياسية)، لذلك كان وقع اتفاقيات كثيرة، منها سايكس بيكو كبيراً وصعباً على الكورد.
فالسؤال الأهم في هذه الأيام العصيبة من عمر الحركة الكوردية في كوردستان سوريا هو أين مستقبل كوردستان سوريا من السياسات والاستراتيجيات الأميركية تلك في غاية البساطة يمكن القول بأن السياسات الأميركية الغامضة ستقود المنطقة إلى المجهول في ظل عدم قدرة الكيانات الكوردية في كوردستان سوريا على مواكبة تلك السياسات، وفي ظل عدم القدرة على قراءة الواقع بكافة جوانبه بالشكل الصحيح، وكما يتوجب على ما تسمى الإدارة الذاتية مراجعة تحالفها العسكري دون السياسي مع الإدارة الأميركية الحالية، وعدم جعل ذلك التحالف في خدمة أجندات عسكرية محصورة في محاربة داعش.
الأمر الذي لا يدعو إلى الإفراط في التفاؤل والإيجابية في ظل انحسار الأرضية المناسبة والمماطلة الأميركية في التوصل إلى اتفاق لوحدة الصف الكوردي، والتراجع في الاهتمام بملف سوريا عامة وكوردستان سوريا على وجه الخصوص من قبل صناع السياسة الأميركية.
إن الحاجة إلى التغير في المنطقة وفي سوريا على وجه الخصوص بعد مرور مائة عام من اتفاقية سايكس بيكو، وبروز كيانات جديدة وإعادة رسم حدود بعض الدول من خلال المعطيات على الأرض، لذا التقسيم في سوريا أصبح أمراً واقعاً لا يحتمل التأجيل، وما يدعم توجهي هذا هو تودد بعض صناع الدبلوماسية الأميركية إلى كوردستان سوريا، ولفت أنظارهم من خلال التعريف الصحيح لقضية الشعب الكوردي في كوردستان سوريا من قبل بعض القادة الذين يملكون التحليل الدقيق والخبرة السياسية في الظروف المحيطة بالمنطقة، وفي مقدمتهم المرجع الكوردي المتمثل بالرئيس، مسعود بارزاني، الذي لا يدخر جهداً إلا ويعرض قضية الشعب في كوردستان سوريا على جميع طاولات مؤسسات صنع سياسية القرار العالمي.
إذاً يمكن القول بأن كوردستان سوريا من الممكن أن تحصل على الحيز الكبير في الاهتمام من مؤسسات صناعة السياسية الأميركية وكما يمكن تعزز لفت الانتباه الأميركي إلى كوردستان سوريا من خلال تعزيز جملة من العوامل المتوفرة إذا ما تم استثمارها بالشكل الأمثل من تشكيل قرار سياسي موحد في كوردستان سوريا يكون من أولوياته التعريف الصحيح بقضية شعب كوردستان سوريا أمام الرأي العام العالمي والأميركي بشكل خاص، مع توافر أرضية الرجوع إلى تفعيل اتفاقيات هولير 1+2 ودهوك 1 المعطلة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) حيث تفعيلها أصبح ضرورة ملحة أكثر من ذي قبل، والعمل على إنشاء وتقديم دستور يلبي جميع المتطلبات في كوردستان سوريا، ويضمن التعايش السلمي وحماية حقوق جميع المكونات الأخرى الأخوة المسيحين والأرمن والآشوريين الايزيدين والعرب، والعمل على إنشاء قوة عسكرية تكون حامية للدستور وتستمد شرعيتها من القرار السياسي الكوردي في كوردستان سوريا تكون مهمتها حماية المكتسبات السياسية والدفاع عنها، والعمل على تهيئة أرضية مناسبة من خلال وضع سياسات اقتصادية ناجحة تستثمر من خلالها كافة الثروات وتشجع روح الاستثمار الاقتصادي الناجح، والعمل على الاستغلال والتوظيف المثالي المبني على قواعد صحيحة لكوادر الشباب والمرأة في كوردستان سوريا الغنية بكوادرها.
في المحصلة، يمكن القول بأن كوردستان سوريا مقبلة على تغيرات وجودية من خلال الضبابية في الاستراتيجيات والسياسات الأميركية التي ستقود المنطقة إلى المصير المجهول من دون التعامل السليم في قراءة الأحداث والوقائع والمستجدات المتسارعة في المنطقة قراءة سليمة من قبل الكيانات السياسية من خلال أخذ الأمور التي تم عرضها في صلب المقال بمحمل الجد.