راهن الكورد ومتطلبات المرحلة
حسين أحمد
الأوضاع الكوردية الراهنة، التي تشهد أحداثاً ساخنة ومتسارعة، على الساحتين الإقليمية والدولية، وفي الوقت نفسه تنشط الحركة الكوردية بمختلف تنظيماتها وفصائلها السياسية والثقافية والاجتماعية، إضافة إلى أجنداتها القانونية والإنسانية لتأخذ مكانتها المطلوبة ودورها الطبيعي من خلال قيادتها التاريخية، وفي الوقت ذاته تشتد حاجة الأمة الكوردية إلى الانعتاق والتحرر والحرية، ورفع الاضطهاد والظلم عن كاهلها وإبراز شخصيتها الكوردية بدفاعها الديمقراطي والوطني والإنساني والحضاري عن وجودها وعن طبيعتها التاريخية ليتحقق طموح الشعب الكوردي المشروع بالاعتراف السياسي والدستوري والقانوني بوجوده كشعب أصيل له جذوره التاريخية في سوريا، ضمن هذه المرحلة الدقيقة والحساسة ومن خلال كل هذه التفاعلات المشهدية الدولية والإقليمية، وخاصة الكوردية منها، كان لا بد من تسليط الأضواء على واقع الحركة الكوردية، وطموحاتها وفي سوريا، وموقعها ضمن الخريطة السياسية.
والسؤال الأهم: ما مكانة الحركة الكوردية في كل هذه التغيرات؟، وعلى أية أرضية تتحرك الحركة الكوردية؟، وما المطلوب والملح في هذه المرحلة المهمة؟، وماذا حققت خلال تاريخها النضالي الطويل للشعب الكوردي المضطهد بعد كل هذا الحراك المديد في ميدان السياسية؟ أين دور الكورد ضمن حركات التحرر العالمية؟، دوما هناك خلل في المعادلة بين الشعب والحركة السياسية التي تمثله، فالشعب الكوردي المضطهد، يسعى للحفاظ على كرامته ، وفي كل الظروف، ومهما كانت طبيعة الصيغة السياسية التي تحكمه والحركة الكوردية ما تزال بعيدة عن تحمل مسؤولياتها التاريخية بشكل جدي، وذلك من خلال الكم الهائل وغير المبرر للأحزاب الكوردية، الذي يعبر بشكل واضح عن أداءها السياسي الضعيف والفج، فرغم نضج الظروف الموضوعية للكورد في سوريا خاصة بعد اندلاع الثورة السورية، فإن الظروف الذاتية للحركة تسير نحو أتجاه آخر من التشتت والتفرقة من قبل أطراف متحكمة لتدجينها خدمة لمصالحها.
هذا العدد الهائل من الأحزاب الذي لم يتواجد على الساحة بطريقة الصدفة، كما أنه ليس قدراً مرسوماً على الكورد قبوله، فهناك من يعمل على تهيئة الأجواء للانشقاقات وهناك من يمارسها، ومن يعمل على احتضانها ونفخ الروح فيها لجعلها أمراً واقعاً تحت هذا المسمى أو ذاك، إنه من أكثر المواضيع الشائكة والحساسة، والتعرض لها بشكل واضح وصريح قد يفتح المجال لصراعات جديدة داخل الحركة، وهي بغنى عنها بل ينبغي تجنبها وعدم الانجرار إليها بأي شكل من الأشكال، ومن هنا فإنه ثمة تساؤلات تطرح نفسها: لماذا كل هذا العدد الهائل من التنظيمات؟، وما المبرر من الانشقاقات وصناعة أحزاب جديدة والإعلان عن نسخ هجينة ومستنسخة منها؟، من المسؤول؟، وهل للشعب الكوردي وقضيته أية فائدة من هذه الانشقاقات، وهل تعبر تلك الأحزاب عن واقع سياسي لطبقات الشعب المختلفة؟، وهل قدم أحد هذه الأحزاب المنشقة برنامجاً جديداً سواء على الصعيد السياسي او الاستراتيجي أو التكتيكي؟، إنها أسئلة تراود ذهن كل كوردي مهتم بالقضية الكوردية والجواب يأتي واحداً وقاطعاً أن هذا التشرذم لم يأت من فراغ. وفي البداية يجب على قيادات الأحزاب الكوردية أن تسأل نفسها من المستفيد من التشرذم، ومن المستفيد من إنشاء أحزاب جديدة.. هل هو الشعب الكوردي وقضيته؟، أم أن خصومه الذين يسعون إلى ذلك؟، الجواب بكل بساطة بأنهم خصوم الشعب الكوردي، يقفون خلف كل هذه التجاوزات، لذلك لا أعتقد أن هذا التشرذم أمر عفوي، كون أنه هناك من يخطط في الخفاء ضد آمال الشعب الكوردي وبالتالي فإن إضعاف حركته هو السبيل الأساسي لتبديد أحلامه وآمال الشعب، بما يشكله هذا من إشكاليات عدة: منها تراجع وتدني مستوى النضج والكفاءة الأهلية في الأحزاب وقيادتها بسبب ظاهرة الانشقاق والحاجة إلى ملء الفراغ بعناصر ضعيفة غير مؤهلة وغير قادرة حتى على إدارة نفسها فما بالك بإدارة حزب وقضية شعب، يمهد ظاهرة التشتت للصراع الكوردي – الكوردي والذي بات الأساس في السلوك العام للعديد من الأحزاب الكوردية على حساب الصراع الجوهري الذي يجب أن يكون مع مضطهدي شعبنا، ويتجسد هذا الصراع في ضعف ثقة الجماهير بالحركة أولاً بسبب التشتت غير المبرر وبقياداتها ثانياً، تلك الجماهير التي هي على تماس بالعديد من القيادات الضعيفة وغير المؤهلة وبالتالي، عدم استعدادها للتعاون معها والاستجابة لمقرراتها وبرامجها، لاشك أن هذا الواقع مهما كانت أسبابه المباشرة، وغير المباشرة يجب الإقرار بأن قيادات الحركة تتحمل المسؤولية بشكل فردي وجماعي رغم الاختلاف الواضح في تحمل هذه المسؤولية بين من يصون وحدة الحزب والحركة ، وبين من يمارس الانشقاق ولكنها في المحصلة مسؤولية الجميع رغم عدم التساوي في المسؤولية .
الحركة الكوردية ما تزال بعيدة عن تحمل مسؤولياتها بشكل جدي وتقف بعيدة عن الجماهير ولا تتناسب مع ظروف المرحلة، فالصراع الكوردي – الكوردي يستمر ويتطور كثيراً من حيث السلوك العملي، الذي كان الأولى له أن يكون صراعاً ضد مضطهديه وبالتالي فإن الظروف الذاتية للحركة غير ناضجة البتة، لا تتماشى مع الظروف الموضوعية، كما حال القيادات الكوردية وحركاتهم عبر التاريخ، حيث فشلوا في استثمار الظروف الموضوعية والفرص التاريخية بشكلها المناسب وبالطريقة الصائبة، فالمطلوب على الدوام تحقيق ظروف ذاتية في منتهى الحيوية والجاهزية، وذلك ليس لاستثمار الظروف الموضوعية فحسب، بل بغية القدرة والنجاح في تطويع ولو جزء من الظروف الموضوعية لصالح القضية، وهذا ممكن جداً في حال الصمود والوقوف على أرضية صلبة والإيمان بالشعب وتعبئته للنضال والتضحية، وينبغي قراءة التاريخ جيداً وتاريخ حركة تحرر الشعوب، والتجارب النضالية والثورية في تاريخ الشعب الكوردي ليست بعيدة عن الأذهان، ولم يسيطر عليها غبار النسيان، فهناك تجارب يمكن الاحتذاء بها، كالتجربة السياسية في كوردستان العراق.
نعود، لنتساءل من جديد، وبعد كل هذه التغيرات الهائلة في العالم، إلى أين يمضي الشعب الكوردي ومن يحدد بوصلته؟ مع الأسف ليس هناك خطاب سياسي كوردي موحد، فقط نجده خطاباً مشتتاً، وبعدة لغات سياسية، وهذا يشكل إرباكاً كبيراً على الساحة السياسية الكوردية، وعلى الساحة السياسية الوطنية، وبالتوازي مع المحاولات الرامية إلى توحيد الخطاب الكوردي، فهناك محاولات حثيثة لمنع تحقيق تلك الوحدة، وتلك المحاولات لن تسمح بتوحيد الخطاب الكوردي في هذه المرحلة، وبالتالي ستفوت فرصة حقيقية للاستثمار الحقيقي لصالح الشعب.
إن استراتيجية صناعة الأحزاب وترسيخها واحتوائها تحت أسماء ومسميات معينة بات العنوان الرئيسي للمرحلة خلال العقدين الماضيين مما يطرح إشكالية صعوبة الاتفاق على خطاب سياسي كوردي موحد رغم ضرورته وإمكانية تحقيقه، والمطلوب كوردياً خلال هذه المرحلة مهام كثيرة ومنها تحقيق إصلاحات داخلية داخل الأحزاب الكوردية تتماشى وتنسجم مع التطورات العالمية، وتحقيق خطاب سياسي كوردي موحد ومرجعية سياسية تمثل هذا الخطاب.
أهمية دور الإعلام في مسيرة الحركة الكوردية وربط الأعمال بالأقوال. وبث إعلام حقيقي قادر على مخاطبة الجماهير، فإنه على الصعيد الكوردي المحلي لا يوجد إعلام كوردي بالمفهوم الحقيقي الواسع للإعلام، هناك إعلام حزبي ضيق جداً، من حيث المساحة والتنوع، إعلام ينشر تحت رقابة حزبية صارمة تفتقر إلى المهنية الحقيقية، والدليل على ضعف الإعلام الكوردي الرسمي هو تقدم المواقع الألكترونية المستقلة على المواقع الحزبية، وأسباب عدة تحول دون تطور الإعلام الكوردي الرسمي ومنها ضيق الهامش الديمقراطي إن لم نقل انعدامه ، وهذا نابع من ضعف المرتكزات الديمقراطية داخل الفصائل الكوردية، وضعف المؤهلات المختصة لصناعة إعلام متطور فهناك اقتراحات بتشكيل مرجعية شاملة من خلال مؤتمر وطني، والفكرة من حيث المبدأ صائبة ولكن تطبيقها على أرض الواقع يحمل في طياته الكثير من الخلافات، التي قد تعيق إنجازها في الوقت الراهن، في الوقت الذي له ضرورته الملحة والغير قابلة للتأجيل لإعلان خطاب سياسي موحد، يعبر عنه، هكذا مرجعية شاملة تحتاجها والحالة الكوردية، كما ستكون ذات أهمية خلال المراحل القادمة، وفي مناخات سياسية أفضل بحيث يكون جاهزاً وقادراً على التحرك فيها بحرية، حينها ستكون المرجعية المبتغاة مرجعية حقيقية ومعبرة عن واقع وإمكانيات كل حزب، وتكون عند رضى وقبول الجماهير الكوردية، وعلى أية حال ربط الإعلان بين الرؤية المشتركة: الخطاب السياسي الكوردي الموحد وبين المرجعية الشاملة ، أمر بعيد التحقق لعدم وجود أي علاقة عضوية بين ما هو مطلوب حالياً وما هو ممكن البحث فيه لاحقاً، لذلك لا أمل أو تفاؤل يرتجى، وذلك بالنظر إلى بنية الأجواء السائدة، والخلافات والأفكار المتضادة، أن أي منصة تنظيمية ستفشل في معالجة كل هذه النقاط الخلافية دفعة واحدة، وبالتالي لا إمكانية للوصول إلى مرجعية كوردية في الوقت الراهن.
لذا لا بد من خطوات ثورية وجريئة لمعالجة كل هذه الخلافات والبدء بمرحلة إعادة الثقة بالحركة الكوردية، الحركة القادرة ان تتفاعل مع الشارع، وان تتعامل مع نبض الجماهير وفي خدمتها وخدمة مصالح الشعب أولاً وأخيراً.
ختاماً: إن الأحداث تتطور بسرعة بل تتسارع، والمنطقة حبلى بالمتغيرات التي لابد أن تنعكس على بلدنا سوريا وبالتالي على شعبنا الكوردي، وينبغي أن تكون الحركة مستعدة لكل الاحتمالات، والهزات السياسية المحتملة، ومن هنا فإن الاتفاق على خطاب سياسي موحد بات من الأولويات الغير قابلة للتأجيل ولا داعي للنقاشات غير المبررة حول المصطلحات والمفردات والمقولات، فالأحداث والتطورات لا تنتظر أحداً، ولا تنتظر نضج أو فج الظروف الذاتية واكتمالها، وسيفوت القطار، والأغلبية لم تمتلك بعد تذكرة الصعود، وسيخسر الشعب فرصة الوصول إلى محطة، بل إلى آماله التي دفع ثمنها من عرقه وجهده، سيمضي القطار وأطراف الحركة الكوردية مازالت تبحث عن مكانها، وعن مقعدها.. ومازالت الحركة تدور حول نفسها.
ولا نعلم كم سيستمر صبر الشعب، وكم من الوقت لدى القادة في الحركة الكوردية لممارسة اللف والدوران.