2024-11-28

رسالة شخصية موجهة من الأستاذ محمود محمد إلى مصطفى الكاظمي

45011738_2419223404761400_2285428514259730432_n

وجه الاستاذ محمود محمد رسالة شخصية مهمة ومفصلية للسيد مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق الفيدرالي وتطرق فيها الى تفاصيل مهمة وخطيرة من عمر العراق منذ تأسيسه كدولة حديثة ، كما وتطرق فيها الى المشاكل والأزمات المختلفة وشخص المعالجات حسب رؤية تتسم بالشمولية والموضوعية … يُذكر أن الأستاذ محمود محمد شخصية سياسية كردية معروفة و قيادي بارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني وهو مسؤول مؤسسة الثقافة والاعلام في هذا الحزب كما أنه المتحدث الرسمي بإسم الحزب الديمقراطي الكردستاني… أدناه نص رسالته الموجهة إلى السيد مصطفى الكاظمي:


سيادة مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق الفيدرالي المحترم
تحية كوردستانية:


بدءاً أهنؤكم واتمنى لكم التوفيق في مهمتكم الجديدة و تنفيذ المهام وبرنامج العمل الذي أعلنتموه، رغم أن برنامجكم الحكومي لا يحوي على المطلوب الذي يخصنا نحن –الكوردستانيين- لكننا نأمل ونتطلع بألاً تتراجعوا عن ما أعلنتموه من رؤى وبرنامج.
لقد اصبحتم الآن رئيساً لوزراء العراق الفيدرالي، العراق الممتليء بالمشاكل والعُقد منذ بداية تأسيسه كدولة ، هذا البلد مازال محمّلاً ومتخماً بالمشاكل والعقبات وتفشي نهج اللاعدالة واللامساواة، العراق الذي تم الحاق كوردستاننا به بعد تشكيله كدولة، لماذا ولأي سبب كان..؟ فتلك حكاية تاريخية تعود الى بدايات القرن العشرين وكان غدراً تاريخياً ولسنا بصدد التطرق لذلك في هذه المناسبة…!
العراق منذ بداية تأسيسه كدولة ولحد يومنا هذا لم يتبنَ سياسة واقعية وطريقة موضوعية واستراتيجية شاملة لمعالجة المشاكل والعقبات والأزمات المستفحلة والمستديمة، بل أنَّ الأنظمة الحاكمة انتهجت واختارت وآثرت نمطية خاطئة وغير منصفة وغير عادلة وغير موضوعية واحادية الرؤى لإدارة الأزمات والمشاكل.
للأسباب الآنفة الذكر، تراكمت الأزمات والمشاكل والتعقيدات عاماً بعد عام ومرحلة تلو مرحلة – ورغم تغيير نظام الحكم- لكن هذه الأزمات تفاقمت وبقيت دون حلول.. لذلك فإن الأرضية بقيت ملائمة وممهدةً دوماً لظهور وخلق الأزمات والمشاكل في العراق ، وقد تعاضدت مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية لإبقاء الوضع في العراق متأزماً متوتراً وغير مستقرٍ وبشكل مستدام.

إنَّ المسؤولين والحكام في العراق لم يستطيعوا التحرر من تلك الثقافة السلبية الاحادية النظرة والرؤية الضيقة، لذا لم يُلاحَظ – خلال السنوات المئة الماضية- رئيساً او حاكماً في العراق يختلف عن الذي سبقه، لم يَشهدْ العراق قائداً يتصف بالرؤية المستقبلية ليكون بمقدوره التأقلم والمؤاءمة والتكيف مع روح العصر ومستجداته ومتطلباته، والمراحل المختلفة والمتحولة لنمطية تفكير الإنسان ومتطلباته العصرية ويتعامل بطريقة مُثلى واسلوبٍ موضوعي مع الأحداث والمستجدات.
لكل الاسباب المذكوره أعلاه فإن سيادتكم أمام امتحان صعب وطريقٍ شائك، فهل يا ترى ستنتهجون الاسلوب والنهج نفسه الذي تبناه وسلكه مَنْ سبقكم مِن الحكام، ام بخلافهم ستسعون وبجدية لإنتهاج سياسة عصرية إنسانية تتسم برؤية مستقبلية للتغلب على المشاكل والأزمات لأجل إعادة الأمل في توفير وتحقيق متطلبات حياة كريمة تليق بمواطني هذا البلد، ولا تضيفون اليها الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل…؟!

الآن سيادتكم تترأسون حكومة دولة تمر بمرحلة تاريخية ومنعطف حساس للغاية، وسرعة وقوع الأحداث والمستجدات والمتغيرات في حاجة ماسة إلى بذل جهد كبير، كما أن المرحلة في حاجة ماسة لتواصل السلطة مع الجماهير،حيث هناك مخاطر جمة محيقة إن لم يكن هناك استيعاب وفهمٌ جدي لقيمة وأهمية هذه المرحلة التاريخية الحبلى بالتحولات والمستجدات.

من الأهمية بمكان أن نستوعب و نتفهم التعقيدات على مستوى العراق وكذلك على المستويين الاقليمي والدولي ، كما يُفترض أن ندرك بأن هذه التعقيدات هي آلآم ناتجة من رحم التاريخ، وهي محصلة 100 عام عموماً والـ 20 سنة الأخيرة على وجه الخصوص ، لذا يجب أن يتم التعامل بشكل موضوعي مع هذه الافرازات والآلام الناجمة عنها إذ لا يمكن لها أن تُعالَجَ بالمسكنات.

*االحقيقة التي لا جدال فيها هي أن المشاكل الداخلية نتاج طبيعي لعدم احترام الدستور وتبني نهج الإنتقائية في تطبيقه.

* لقد تم فيما سبق انتهاج مبدأ القومية وتبني مفاهيم العروبة لإدارة وحكم دولة متنوعة ومتعددة الديانات والمذاهب وعلى مدى 83 سنة حسب مفهوم التعصب القومي العروبي، وللأسف حالياً فإنَّ هذه البلاد تُحكم منذ 16 سنة انطلاقا من الايديولوجيا المذهبية واستناداً على التراجيديا التاريخية.

* في وطنٍ يخيم عليه الخوف والتوجس من الماضي، ويسوده الانتقام من مكون معين الى جانب الحنين الى الماضي والخوف من الحاضر ومن مستقبل مكون آخر.

* في وطن تسود الضبابية فيه المشهد، ويتفشى فيه الحقد والضغينة والغاء الآخر، تتحدث فيه فوهات البنادق بدل لغة التفاهم والحوار.

* في وطن كان فيه قطاع الطرق يحكمون المدينة بعقلية الصحراء، وللأسف فحالياً لا يُدار الحكم فيه بمنطق العقل بقدر ما يُحكم فيه بمنطق النقل ومنطق الانطلاق من الحوادث التاريخية التي وقعت قديماً.

* إنَّ نمطية الحكم في العراق والعقبات والمشاكل المالية والسياسية فيه كانت وما زالت جزءاً من مشاكل دول الشرق الأوسط بل اصبحت مترابطة الى حد كبير…! لذا فمن اجل لقمة العيش الكريمة، ومن اجل الحرية والتحرر من الظلم الهيمنة ينادي بها مَنْ في ساحة التحرير والساحات الأخرى بملء حناجر غاضبة ونفوس ناقمة وساخطة، وهذا ما يجب أخذه بنظر الاعتبار والبحث عن الحلول الممكنة بعد هذا التغيير وتسنمكم لمقاليد الأمور.

* في وطن اسسه ورسم حدوده الإنكليز عام 1921وكانت لهم الوصاية عليه والحماية له، وفي عام 1958 خرج الانكليز المؤسسون الحماة، وفي عام 2003 اسقطت الولايات المتحدة الأميريكية النظام السابق ،وعلى طبق من ذهب سلموا الأمور الى الذين يتربعون الآن على مقاليد الحكم . والآن مع محاولات إخراجهم فإن خلافاتهم وتعقيداتهم مع دول الجوار أصبحت جزءاً من التعقيدات المستعصية التي تواجه الحكم في العراق.

* في وطن، ترى كل دولة من دول الجوار بان جزءاً منه يعود لها، وتتصرف فيه كما تشاء وتُعَرِضُ أمن وحياة مواطنيه للتهديد ، تكون فيه سيادة الحدود مجرد حبر على ورق ليس إلاّ.

* وطن، لايُنظر الى جواز سفره وهويته باحترام من قبل كل الدول، إذ تتهيأ لهم بشكل غير مباشر صورة داعش والقاعدة والذبح وسبي النساء والفتيات، وعمليات الأنفال والقصف الكيميائي، والقتل على الأسم والهوية.

* في وطن ترى فيه الأكثرية تحاول اقتراف الظلم، فمظلوم الأمس على وشك أن يغدو ظالم اليوم.

* في وطن يصبح فيه اجراء الإستفتاء من اجل تقرير المصير واحترام رغبة مكون في كيفية حرية اختيار نمط عيشه جريمة، ويقطع عن شعب بأكمله خبزه وقوته، ويتم ضمن الطقوس المذهبية نشر ثقافة الحقد والكراهية والغاء الآخر على منابر الجوامع والحسينيات.
في وطن يعاني من كل ما سبق ذكره، مطلوبٌ الاقدام على الخطوات أدناه:
* لو اردتم ان تكونوا متميزين ومختلفين عمن سبقوكم، وان يُنظر اليكم كرجل العراق المستقبلي، وتحاولون الحد من تراكم المشاكل والعقبات وتسعىون لمعالجتهاا، عليكم المناداة بالمحبة والإنسانية والعدالة والمساواة في اذن الأغلبية والأقلية، وان تكاشفوهم وتصارحوهم وتُخبروهم دون تردد بأن التجارب السابقة اثبتت بأنه لايمكن لطرف واحد حكم هذا البلد الذي يتصف بالتنوع القومي والديني والمذهبي…بل يُفترض أن تجعلوهم يستسيغون ويستوعبون بأن الجميع شركاء في التفكير والصياغة وتطبيق القانون والقرارات، ولا يمكن ادارة الحكم الا بمشاركة الجميع، وبتوافق الجميع وأن التوازن في الحكم والمصالح كفيلة بمعالجة المشاكل وتضميد الجراح.
*من الواجب الحيلولة دون هدر القدرات البشرية والمادية لهذا الوطن على الرصاص والمدافع وتوجيهها الى صدور بعضهم البعض، بل من الحكمة تسخير هذه القدرات من اجل كسب العلم والمعرفة وتحقيق الرفاهية لجميع مواطني هذا البلد، وإبعاد مخالب الآخرين عن الصدور المثخنة بالجراح لمواطني هذا البلد المتخم بالآلام والأوجاع والبطون الخاوية وآهات السنين.
*الوطن للجميع وليس حكراً على أحد وليس لأحدٍ ان يتصور بأن العراق عراقه وحده وان ما يعطيه للآخرين منةٌ و صدقةٌ يتصدق بها.
*يجب أن يساهم العرب والكورد والتركمان والسريان، الكلدوآشور، والمسلمون (شيعتهم وسنتهم) والمسيحيون والأيزديون وكافة أطياف الشعب العراقي في إدارة هذا الوطن، فكلهم عراقيون، والعراق للجميع.

*من الأهمية بمكان بل من الضرورة القصوى العمل على تضميد جراح المؤنفلين (ضحايا عمليات الأنفال الاجرامية) والفيليين والبارزانيين وضحايا القصف الكيمياوي وكذلك تعويض ما يقارب من 4500 قصبة و قرية كوردية، وهذه الاجراءات كفيلة ببناء الثقة واعادة المياه الى مجاريها ،والحق الى نصابه.

* سيكون من الضروري أن تمنحوا أنفسكم القوة والجرأة لمعالجة تركة 100 عام من المشاكل خلفتها الأنظمة المتعاقبة، ونتطلع الى محاولاتكم الجدية لمعالجة(المشكلة الأساسية بين الكورد والدولة العراقية) التي كانت سبباً لمشاكل اخرى مستعصية وقد تكون معضلات إن لم تسعوا لحلها…! ومن الضروري الاقدام على خطوات جدية وفاعلة ومنصفة لمعالجة مشكلة كركوك والمدن والقصبات الأخرى(المتنازع عليها) وفق المادة 140 الدستورية.
ان الحيلولة دون الاقدام على هذه الخطوات(فيما سبق) وعدم ومعالجة مشكلة الموازنة والنفط والغاز والمستحقات المالية للپێشمه‌رگة هي من نتائج وافرازات الإهمال وتقصد عدم معالجتها، وهذا بحد ذاته ارث ثقيل، لكن توفرالإرادة وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقكم وهمُّ الحياة وراحة المواطنين واستقرار العراق (كل هذه الأمور) تمنحكم القدرة على تحقيق ما يمكن تحقيقه، وكونوا على ثقة بأنَّ محبي الإنسانية سيكونون دعماً لكم وسيخلدكم التاريخ كرجل مرحلة يرتقي لتحقيق المهمات الصعبة.
اتمنى لكم التوفيق…
وتقبلوا الاحترام والتقدير.

1 thought on “رسالة شخصية موجهة من الأستاذ محمود محمد إلى مصطفى الكاظمي

  1. بوركتم .. لقد نطقت وافصحت وكتبت ما يفكر به كل كوردستاني وكل عراقي وطني ممن يحبون العراق ويتمنون له الازدهار والتقدم والصعود الى مكانته المعروفة بين دول العالم. نحن الكوردستانيون بجميع قومياته ومذاهبه نتمنى ان يطبق الحلول المذكورة في رسالتكم القيمة انشالله ودمتم

Comments are closed.