“متى تولد معارضة حقيقية في الإقليم؟” نواب يستبعدون ولادة معارضة حقيقية في كردستان بعد تجربة 2009
الأهالي ريبورت/ صلاح بابان
شهدت الساحة السياسية في اقليم كردستان خلال السنوات العشر الأخيرة، ظهور حركات معارضة للحزبين الحاكمين في الإقليم ولطبيعة السلطة داخل المنظومة الحكومية وفي مؤسسات الاقليم، إلا أن نوابا ونشطاء يرون أن ظهور ونجاح حركة معارضة في اقليم كردستان أمر صعب التحقيق في الظروف الحالية لصعوبات تنظيمية ومالية فضلا عن فقدان المصداقية بين المواطنين والأحزاب.
ومع اقتراب تشكيل حكومة اقليم كردستان واختيار رئيس جديد للإقليم، تتجه الأنظار الى برلمان اقليم كردستان والى امكانية ظهور كتلة معارضة حقيقية لمراقبة وتقويم عمل الحكومة وتصحيح مسار العملية السياسية على غرار ما كان موجوداً في الدورة البرلمانية الثالثة عام 2009.
تجربة حركة التغيير
ولم يشهد الإقليم منذ العام 2009 ظهور قوة معارضة فاعلة ذات مواقف ثابتة ترفض الانخراط في العمل الحكومي تحت ضغط الامتيازات والمصالح الحزبية والحصص في السلطة، كما فعلت حركة التغيير بزعامة نوشيروان مصطفى في العام 2009 حين اعلنت عن نفسها كحركة معارضة لنظام الحكم في كردستان.
لكن تلك الحركة تراجعت عن الدور المعارض وانخرطت في الحكومة عام 2013 بعد حصولها على 24 مقعداً في برلمان الإقليم، فتسلمت العديد من الوزارات والمناصب السيادية ومنها منصب رئيس برلمان كردستان في الدورة الرابعة لبرلمان الإقليم.
وانتقد العديد من المحللين السياسيين في حينها ذلك التوجه، ودعو الحركة الى البقاء في المعارضة لدورة ثانية من اجل ضمان تحقيق الاصلاحات واحداث الضغط المطلوب لانجازها، لكن العديد من قادة الحركة اعتبروا ان المشاركة في الحكومة وفرض شروطهم وبرنامجهم الاصلاحي داخلها اجدى، وهو ما ثبت لاحقا عدم صحته ففشلت الحركة في تحقيق الاصلاح المنشود ووصل الامر الى تعطيل عمل البرلمان ومنع رئيسه من دخول اربيل.
وبعد اجراء انتخابات الدورة الخامسة لبرلمان اقليم في 30 ايلول من العام الماضي، ومع ظهور قوى جديدة، أعلن كل من حراك الجيل الجديد والاتحاد الاسلامي الكردستاني اضافةً الى بعض الشخصيات السياسية عن تحولها الى قوى معارضة داخل البرلمان وعدم مشاركتها في الحكومة، للعمل على تصحيح أخطاء الحزبين الحاكمين والضغط لتحقيق اصلاحات سياسية واقتصادية لاسيما بعد الازمة الاقتصادية التي شهدها الإقليم والتي دفعت الى العمل بنظام ادخار الرواتب وسط مطالب بكشف حجم الصادرات النفطية والاموال المتأتية منها وضمان الشفافية في ادارة ملفي النفط والمال.
لكن حجم تلك القوة المعارضة لن يتعدى الـ 20 نائبا من 111 نائبا، وهو ما سيمنعها من تحقيق الاصلاحات التي تتحدث عنها ما لم ينخرط نواب قوى جديدة فيها وان كان بعد تشكيل الحكومة وضمان حصصهم فيها.
التغيير صعب
يقول النائب عن حراك “الجيل الجديد” المعارض سيراون بابان، ان هذه الدورة ستشهد ظهور قوى معارضة لمراقبة عمل الحكومة واداء البرلمان “بقوة وفاعلية أكثر من الدورات السابقة”.
ويعتبر حراك الجيل الجديد تيار سياسي حديث الولادة أعلن عن تأسيسه خلال السنوات الثلاث الأخيرة وأعلن معارضته لطبيعة الحكم في الإقليم مع بداية تأسيسه، واستطاع ان يحصل على ثمانية مقاعد في أول تجربة انتخابية له في انتخابات العام الماضي.
ويضيف بابان في حديثه لـ”الأهالي ريبورت” ان حركته ستعمل بصفة المعارضة داخل البرلمان لمراقبة الحكومة وأداء البرلمان ولجانه المختلفة، مؤكداً ان حركته لن تشارك بأي شكل في الحكومة الحالية لإقليم كردستان الحالية.
وفيما اذا كانت لهذه المعارضة القدرة على احداث أي تغيير في الأداء الحكومي أو البرلماني، يرى بابان انه ليس من السهل “احداث تغيير بهذه السرعة لوجود أحزاب السلطة في الحكومة مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وكذلك حركة التغيير، إلا أننا سنسعى بكل ما نملك لمراقبة أداء الحكومة والبرلمان واحداث التغيير قدر المستطاع”.
استقلالية القضاء
وفي السياق ذاته، يقول النائب عن كتلة الاتحاد الاسلامي الكردستاني في برلمان الاقليم شيركو جودت، ان وجود معارضة قوية في أية حكومة أو برلمان يعتمد على “استقلالية القضاء اضافةً الى وجود معارضة من قبل المواطنين وعدم خضوعهم لسياسة الأمر الواقع”.
وعن تأثير استقلالية القضاء في دور المعارضة، يبين النائب عن الاتحاد الاسلامي في حديثه لـ”صباح كوردستان” ان “القضاء كلما كان مستقلاً سيساهم في منع تعرض المعارضة الى َضغوطات من قبل أحزاب السلطة، إلا أنه لو حصل العكس سيضعف دور المعارضة ولن يقوم بدوره الحقيقي أبداً مهما كثرت محاولاته سواء داخل الحكومة أو البرلمان”.
وأشار إلى أن أكثر من “50% من مواطني الإقليم معارضون للأجواء السياسية وطبيعة الحكم في كردستان ونستطيع ان نلمس ذلك من خلال عدم مشاركة ما يقدر بـ50% من المواطنين في الانتخابات الأخيرة، و20% من المشاركين صوتوا للمعارضة، وهذه النسب تعتبر ايجايبة لقوى المعارضة”.
وأكد ان الاتحاد الاسلامي الكردستاني مع حراك “الجيل الجديد” مع جهات أخرى ستنضم الى صفوف المعارضة، ولن تشارك في الحكومة المقبلة.
وفيما اذا كانت هذه المعارضة بامكانها مواجهة الأحزاب الحاكمة في الإقليم، يوضح جودت انه للأسف في هذه الدورة والدورات السابقة لم يكن التنافس السياسي بين الأحزاب “تنافساً ايجايباً يصبّ في المصلحة العامة، خاصة بعد سيطرة أحزاب السلطة على موارد الاقليم الاقتصادية والمالية اضافةً الى الملف الأمني”.
وشدد النائب عن كتلة الاتحاد الاسلامي الكردستاني على أن اولى مهام المعارضة في هذه الدورة ستكون “مكافحة الفساد والسعي من أجل كشف جميع الملفات المتعلقة بالنفط وصادراته وواردات الإقليم لعدم وضوحها خلال السنوات الماضية، مع السعي الى تغيير طبيعة الأجواء السياسية داخل كردستان وعلى كافة الأصعدة”.
الممارسة السلبية
ويستبعد النائب عن كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني داخل برلمان كردستان زياد جبار ظهور قوى معارضة نشطة تساهم في تقوية عمل البرلمان وتقويم عمل الحكومة خلال السنوت الأربع المقبلة.
وقال جبار في حديثه لـ”صباح كوردستان”، ان “المعارضة في الإقليم ظهرت بشكل فعلي بعد العام 2009 إلا أن ما يسجل سلباً على هذه الحالة أنها لم تمارس عملها بشكل ايجابي وطبيعي كما هو معمول به في دول العالم”.
ولفت إلى أن التوجه الى المعارضة لا يعني بالضرورة انك تكون “غير راضياً على جميع أعمال وبرامج الحكومة والبرلمان وانما يجب ان تكون مساندا لتقوية عمل البرلمان”، عازياً السبب الى ان “الديمقراطية مازالت حديثة الظهور في الإقليم ومن يتحوّل الى معارضة يجب ان يتعلم جيداً أسس ومبادئ الديمقراطية ومن ثم التوجه الى معارضة”.
وعبر النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني عن عدم تفاؤله بامكانية وجود “معارضة نشطة خلال السنوات الأربع المقبلة إلا أنه وجودها نوعاً ما أمر ايجابي أكثر مما هو سلبي”.
نموذج 2009
من جانبه يقول النائب عن الحزب الشيوعي الكردستاني في برلمان الإقليم محي الدين حسن، ان عدد المقاعد التي تمتلكها القوى المعارضة الحالية في الإقليم “لاتؤهلها لتحمّل مواجهة القوى المشاركة في الحكومة وبرنامجها الحكومي والبرلماني”.
وأضاف حسن في حديثه لـ”صباح كردستان” ان “القوى المعارضة الحالية في كردستان لاتمتلك أي برنامج عملي لتصحيح مسار العمل البرلمان والحكومي وهذا ما يفقدها النجاح”، لافتاً إلى أن “نموذج المعارضة عام 2009 كان نموذجاً سيئاً وأعطى صورة سلبية للمعارضة بين المواطنين بسبب أسلوبها العدائي”.
ومنذ انتفاضة شعب كردستان عام 1991 ضد النظام البعثي البائد لم يشهد ظهور أية معارضة سياسية للحزبين الحاكمين في الإقليم اللذين تقاسما السلطة منذ ذلك الوقت حتى إجراء أول انتخابات برلمانية عام 2005 بعد انتهاء نظام الادارتين.
وظهرت حركة التغيير كقوة معارضة في الإقليم عام 2009، إلا انها سرعان ما تراجعت عن سياسة المعارضة وانخرطت في العمل السياسي وشاركت في الحكومة عام 2013 بعد اجراء الدورة الانتخابية الرابعة لبرلمان الإقليم.
نقاط ضعف المعارضة
ويرى الصحفي الكردي احسان ملا فؤاد، الذي كان في صفوف المعارضة ضمن حركة التغيير عام 2009 إلا أنه انشق عنها “لتراجعها عن مواقفها السياسية المعارضة”، أنه في جميع الدورات البرلمانية لم “نشهد أية معارضة قوية وفعالة باستثناء حركة التغيير التي ظهرت كقوة معارضة عام 2009 إلا أنها لم تصمد كثيراً فسرعان ما دخلت وشاركت في العملية السياسية تحت ضغط حصولها على العديد من المناصب والامتيازات”.
ويضيف ملا فؤاد في حديثه لـ” الأهالي ريبورت ” ان ضعف المعارضة في الإقليم يعود الى مساع أحزاب السلطة لاضعاف البرلمان دوماً من خلال فرض هيمنتها عليه بشتى الطرق، لافتاً إلى أن “برلمان الإقليم يخضع لسلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي لا يسمح أبداً بظهور تيار معارض”.
وبحسب الصحفي الكردي، فان الدورة الحالية لبرلمان الإقليم ستكون “أضعف دورة برلمانية في تاريخ الإقليم فهي لن تتمكن من اصدار أو تشريع القوانين المهمة ومراقبة أداء المؤسسات الحكومية الا وفق ما يرغبه الحزب الحاكم”.
وينبه الناشط سليم عمر، الى ان ظهور ونجاح حركة معارضة في اقليم كردستان “أمر صعب التحقيق في الظروف الحالية وربما لسنوات مقبلة”، مبينا أن العديد من الصعوبات التنظيمية تمنع ذلك، فاية حركة معارضة ستواجه تعقيدات في كسب الجمهور لها خاصة مع فقدان المصداقية بين المواطنين والأحزاب السياسية بشكل عام.
ويقول عمر، ان الصعوبات المالية هي عائق كبير ايضا، فالأحزاب الحاكمة “تملك كل مقومات التأثير لأنها تسيطر على مقدرات اقليم كردستان الاقتصادية فلديها شركات كبرى واستثمارات في كل القطاعات ومئات آلاف الكوادر التي تحصل على اموال وامتيازات بما يضمن دفاعهم عنها”.
ويشير عمر الى مشكلة أخرى تتعلق “بالاعلام وامتلاك الاحزاب الحاكمة لعشرات المنصات الاعلامية القوية التي تؤثر على الرأي العام في حين تغيب بشكل شبه كامل وسائل الاعلام المعارضة او حتى المهنية المستقلة”.
بينما تقول النائب عن حركة التغيير شايان كاكه، ان العمل البرلماني “لا يقتصر أبداً على وجود الحزب أو مشاركته داخل البرلمان والحكومة وانما عمله يكمن في المتابعة والتدقيق بعمل الحكومة وأينما وجد الخلل يجب ان يكشفه”.
وتقول كاكه في حديثها لـ”صباح كوردستان” ان مشاركة حركة التغيير في الحكومة المقبلة “لا يؤثر أبداً على معارضتها للسياسة الخاطئة أبداً”، موضحةً ان “قوة وفعالية البرلمان تكمن في وجود “معارضة حقيقية وفعالة”.
تقديم الحلول والمقترحات
من جانبه يقول النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان الإقليم ريبوار بابكه يي، ان المعارضة ظاهرة حضارية وايجابية في الأنظمة المدنية لخلق أجواء سياسية سليمة خدمة للمصلحة العامة، إلا أنه اذا “اقتصر مفهوم المعارضة على نموذج 2009 لتقييم قوة المعارضة في المستقبل ستكون هذه المعارضة ميتة قبل ولادتها”.
ويؤكد بابه كه يي في حديثه لـ” الأهالي ريبورت ” ان المعارضة “يجب ان تكون وفقاً لأدبيات السياسة، متى ما كان الأداء الحكومي سلبيا يجب ان تقوم المعارضة بتقديم الحلول والمقترحات التي تخدم المصلحة العامة بعيداً عن المزايدات السياسية ولإيجاد الحلول للمشاكل لا تعميقها أكثر كما حصل في عام 2009”.
ويشدد النائب عن الديمقراطي الكردستاني على ضرورة “وجود معارضة قوية في اقليم كردستان لتصحيح مسار الحكومة والبرلمان وان تكون مساندة للحكومة في ايجاد الحلول دوماً”.
ت: س ن