“بعد 15 عاماً على قصفها بالفوسفور: جيل ولادات مشوهة في الفلوجة”
حقيق جديد للشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية (نيريج) يكشف عن انتشار كبير للولادات المشوهة في مدينة الفلوجة، وفوق المعدلات الطبيعية المسجلة عالميا، ما أصبح يشكل مصدر قلق وألم في كل عائلة جديدة. ويظهر التحقيق تكتم السلطات على ذلك وعدم القيام بتقصي أسباب تلك الولادات المشوهة التي يؤكد اطباء انها بدأت بعد المعارك المدمرة التي شهدتها المدينة في 2004 والتي استخدمت فيها القوات الأمريكية أسلحة محظورة، وتصاعدت في السنوات اللاحقة.
دقائق ويعرف عبّود سلام، أي مصير ينتظر عائلته. فرحة العمر أم نغصته. قدماه تقودانه في الباحة الخارجيّة في مستشفى الفلّوجة التعليمي للنساء والأطفال جيئة وذهاباً في مسار دائري. حبّات المسبحة تتقلب بين أصابعه بسرعة. كانت زوجته دخلت صالة الولادة بصحبة الممرضات وبقي هو في الخارج أكثر من ساعة. مشاعر القلق تفضحها شفتاه وهو يردد: “يارب… كامل الخلقة… كامل الخلقة”.
ولادة طفلٍ مريضٍ أو مشوّهٍ، هي المخاوف المشتركة بين عبّود سلام وجميع الآباء في باحة الانتظار في هذا المستشفى المختص بالولادات. فالمعارك التي دارت رحاها هنا في الفلوجة قبل أكثر من عقد، واستخدم فيها الجيش الأميركي قائمة من الأسلحة المحرّمة دولياً، اليورانيوم المنضّب والفوسفور الأبيض والصواريخ الموجهة بالليزر، جعلت الفلوجة في صدارة المدن التي تنجب أطفالاً من ذوي العيوب الخلقية، بحسب مختصين ومعلومات يكشفها هذا التحقيق.
حظي عبود أخيراً بفرصة أن يكون أباً، فأطلق على مولوده الأول اسم فرج، ربما لطول ما صبر وانتظر.
تزوج عبود قبل 3 أعوام وكان متردداً بخصوص إنجاب طفل. سبق أن انضم إلى أفراد أسرته مولودٌ مصابٌ بسرطان الدم (اللوكيميا)، هو قيس ابن شقيقته الصغرى الذي يقيم حالياً في الأردن لتلقي العلاج. التردّد زاد عندما وضعت شقيقته الثانية مولودةً بعينٍ واحدةٍ فقط في منتصف الجبهة. الطفلة الرضيعة مصيرها الموت حتى قبل أن تُمنح اسماً.
“إنها ليست حياة يا أخي… إنه فيلم رعب” يقول عبود بانفعال ويتابع: “عزفنا عن فكرة الإنجاب تماماً، لم نعد نريد أطفالاً. داومت زوجتي على حبوب منع الحمل كي لا تتكرر المأساة. لكننا في النهاية لم نستطع الاستمرار هكذا. أنا وهي كنا نحلم باليوم الذي تكتمل فيه عائلتنا بقدوم طفل”. يتوقف عن الكلام للحظات وكأنه تذكر أمراً مهماً. “صبي أو بنت لا يهمّ… المهم الصّحة والعافية”.