اكتشاف مقبرة جماعية للكرد ببادية السماوة
عمليات بحث جديدة عن ضحايا نظام حزب البعث المفقودين منذ نهاية الثمانينات
الأهالي ريبورت/ عمر عادل
أعلن محافظ المثنى، أحمد منفي جودة، الجمعة الماضية، عن العثور على مقبرة جماعية في صحراء المثنى تعود إلى ضحايا مدنيين تم إعدامهم إبان عهد النظام السابق، مشيرا الى وجود “تنسيق عالٍ” مع إقليم كردستان بشأن مسألة المقابر الجماعية العائدة لمواطنين كرد.
وقال المحافظ في بيان حصلت (الأهالي ريبورت) على نسخة منه إنه “تم العثور على مقبرة جماعية من ضحايا النظام البعثي البائد في بادية السماوة”، مشيراً إلى أن “جميع الضحايا من الأخوة الكرد الذين تم اعتقالهم من قبل قوات النظام السابق وإحضارهم إلى بادية السماوة حيث تم قتلهم ودفنهم هناك”.
وكشف المحافظ عن تفاصيل العثور على المقبرة، في مؤتمر صحفي، قائلا ان “المثنى تحتوي على الكثير من المقابر الجماعية للضحايا من الأخوة الكرد، ومنذ بداية تسلمي المنصب في كانون الأول 2018 وضعت ضمن برنامج عملي البحث عن هذه المقابر”.
وذكر جودة، انه تعهد خلال لقاء سابق مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني “بذل قصارى جهدوهم للعثور على المقابر الجماعية للكرد”.
وتم العثور على المقبرة في منطقة الشيخية ببادية السماوة التي تبعد نحو 120 كيلومتراً عن مركز السماوة، وهي تضم اطفالا ونساء ورجالا، تم التحقق من كونهم كردا من خلال بقايا الملابس التي كانوا يرتدونها وبعض مقتنياتهم.
هذا وكان زعيم الحزب الديمقراطي قد دعا محافظ المثنى في لقاء بينهما قبل شهر الى بذل “جهود جدية” للبحث عن المقابر الجماعية للكرد.
حملات الأنفال
وقال المحافظ إن بادية السماوة تضم الكثير من الضحايا الذين اُعدموا في الثمانينات على يد النظام السابق في إطار حملات الانفال بمناطق كردستان.
وأوضح أن “عمليات بحث واستقصاء في منطقة بادية السماوة استمرت عشرة أيام قد أسفرت عن العثور على مقبرة جماعية لضحايا مدنيين أغلبهم من النساء والأطفال وتم التعرف على أنهم من الكرد من خلال الملابس الكردية التقليدية التي كانوا يرتدونها”.
وتابع في بيان نشر على صفحة محافظة المثنى في فيسبوك، أنه وجه الاجهزة الامنية بحماية المقبرة و”التحفظ عليها” لحين مجيء الجهات المختصة.
وذكرت مصادر محلية أنها تعتقد أن أربعاً الى خمس مقابر جماعية موجودة في محيط المقبرة التي تم العثور عليها.
وأضاف أن “عملية الحفر جرت بتقنيات عالية وبوجود فريق مختص”، مبيناً: “قمنا بإغلاق المنطقة وإحاطتها بسياج لحمايتها لحين إكمال عملية إخراج الرفات من قبل الجهات المعنية”.
وبشأن أعداد الرفات في المقبرة، أوضح جودة أنه “لا يمكن إعطاء حصيلة تقريبية للضحايا نظراً لوجود جثامين تحت الأرض”، مستدركاً: “لكن الشهود من سكان القرى المحيطة أكدوا أن نظام البعث نقل عدداً كبيراً من المعتقلين الكرد إلى المنطقة في ثمانينات القرن الماضي”.
تنسيق مع الاقليم
ولفت محافظ المثنى إلى إبلاغ الحكومة الاتحادية والقضاء رسمياً بالعثور على هذه المقبرة الجماعية، مشيرا الى وجود “تنسيق عالٍ مع حكومة إقليم كردستان بشأن إخراج رفات الضحايا للتعرف على هويتهم وإعادتهم إلى الإقليم”.
وقال إن اعمال البحث عن الضحايا ستستمر وبالتنسيق مع السلطات في إقليم كردستان، وسيتم إرسال الرفات إلى الاقليم بعد انجاز العمل.
وتذكر مصادر بإقليم كردستان أن نظام الرئيس الأسبق صدام حسين قام بحملات اعتقال جماعية (عرفت بحملات الأنفال) طالت نحو 182 ألف مواطن كردي من الرجال والنساء والأطفال في أربيل والسليمانية ودهوك، ومناطق تابعة لكركوك خلال النصف الثاني من عقد ثمانينات القرن الماضي، حيث تمت تصفية المعتقلين ودفنهم في مقابر جماعية بمناطق صحراوية بمختلف المناطق العراقية وبشكل خاص في الجنوب.
وتمتنع العديد من العائلات التي فقدت عدداً من أبنائها وذويها في ظروف غامضة وبات مصيرهم مجهولاً عن اجراء مراسم عزاء لأقربائها المفقودين قبل أن تعثر على جثثهم وتتلقى المعلومات الكافية حيال ظروف مقتلهم.
ويتطلب هذا العمل، الذي قد يمتد الى عقود نظرًا الى الاعداد الهائلة من المفقودين ومشكلة أراضي المقابر التي تنتشر في بعضها الالغام والذخائر غير المنفجرة، توفر خبرات واشخاص ذوي كفاءة عالية على صعيدي الحفر والفحص الطبي، وهو ما يفتقده العراق حاليا.
إلا أن هناك العديد من المنظمات الدولية العاملة في العراق، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الدولية لشؤون المفقودين (آي سي ام بي) والتي تأسست بمبادرة من الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون وتتولى دول غربية تمويلها منذ عام 2008، تقوم بتنظيم دورات للعاملين في معهد الطب الشرعي ووزارة حقوق الانسان بالعراق.
تاريخ طويل من الابادات
وتعرض الكرد الى العديد من عمليات الإبادة الجماعية في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 حتى 1990، إلا أنها قد بلغت ذروتها في عهد نظام «حزب البعث» والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي نفذ عمليات قتل للآلاف من الفيليين، وتعرض الباقون إلى عمليات التسفير القسري الى ايران.
وقام حزب البعث بعمليات إبادة لأكثر من 8 آلاف بارزاني، وحملات الأنفال (عمليات قتل جماعية، نفذها نظام صدام نهاية ثمانينات القرن الماضي وامتدت على ثمانية مراحل، وقتل على اثرها أكثر من 180 ألف كردي من كل الفئات العمرية، وفق مصادر كردية، ودفنت قوات النظام غالبية الضحايا وهم أحياء في المناطق الصحراوية جنوب العراق)، ثم قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية، وعمليات التهجير والترحيل والتطهير العرقي وسياسة الأرض المحروقة التي انتهجها صدام في كردستان.
وتم العثور في عام 2009 على رفات 600 كردي من البارزانيين المؤنفلين في بادية السماوة، وتم نقلها إلى الإقليم، إلا أن أعمال البحث عن المقابر الجماعية أصبحت صعبة للغاية فيما بعد.
تجدر الإشارة إلى عدم توفر إحصائية دقيقة بعدد المقابر الجماعية في محافظة المثنى، إلا انه وبحسب مختصين فإن أغلب المقابر الجماعية بالعراق تقع في محافظة المثنى، و90% من تلك المقابر تضم رفات الضحايا الكرد”، وأن معظم هذه المقابر قد تم العثور عليها ما بين عامي 2009 و2010