استقدام العمالة الأجنبية يتسبب في زيادتها… انخفاض نسبي في معدل البطالة بإقليم كردستان*
الأهالي ريبورت/ عمر عادل
مع استقرار الوضع الأمني والاقتصادي في إقليم كردستان بدأت علامات التعافي على اقتصاده بالظهور تدريجياً حيث أشارت إحصائيات وزارة العمل بالإقليم إلى انخفاض معدلات البطالة نسبياً خلال العام الحالي مقارنةً بالأعوام السابقة، مع المباشرة بافتتاح عدد من المصانع في مدن الإقليم وإبرام العديد من التفاهمات والعقود الاستثمارية مع مستثمرين محليين وأجانب.
ويرى مختصون أن معدلات البطالة ستستمر بالانخفاض، فيما يعتقد آخرون أنها ستعاود الارتفاع مجدداً في ظل استقدام العمالة الأجنبية التي تنافس العامل المحلي وتقلّص من فرص حصوله على الوظائف المعروضة في سوق العمل، خاصة أن العمال الأجانب يعملون لساعات أطول وبأجور أقل مما يجعلهم أوفر حظاً في الحصول على الوظائف مقارنةً بالعامل المحلي.
وكان وزير التخطيط في حكومة إقليم كردستان على السندي، أعلن نهاية العام الماضي 2018 بلوغ تعداد سكان إقليم كردستان قرابة الستة ملايين نسمة، مشيرا الى انخفاض نسب البطالة الى 10.2% بعد ان كان يبلغ 14%.
ويقول مدير عام العمل والضمان الاجتماعي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بحكومة اقليم كردستان إن “نسبة البطالة انخفضت في الإقليم نسبياً خلال الأشهر الماضية”، مستدركا “لكن جلب العمالة الاجنبية الى اقليم كردستان يساهم في ارتفاع نسبتها”.
مشكلة العمال الأجانب
ويوضح د. عارف حيتو في تصريح لصحيفة (باسنيوز) ان “توفير الامان وفرص العمل في اي مكان يدفع بالأيدي العاملة الى التوجه اليه”، مبيّناً ان “جلب الايدي العاملة الأجنبية الى الاقليم رفع من نسبة البطالة المحلية”، عازياً السبب الى ان “العمال الاجانب يعملون بأجور اقل من العمالة المحلية ما يجعلهم في منافسة مع العمال المحليين وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة”.
ويشير مدير عام العمل والضمان الاجتماعي بحكومة اقليم كردستان، الى “تحسن اوضاع العمال المعيشية في الاقليم قياساً بالسنوات الماضية”، لافتاً الى ان القضاء على داعش والغاء نظام الادخار “ساهما في تقليل وانخفاض نسبة البطالة وتوفير فرص العمل الى حد كبير”.
وشدد حيتو على “ضرورة توفير قانون الضمان الاجتماعي للعمال في اقليم كردستان حتى لا يحرموا من التقاعد”.
وألقت الحرب ضد تنظيم داعش خلال الاعوام من 2014 ــ 2017 بظلالها على الحياة في اقليم كردستان الذي استقبل أكثر من مليون نازح عراقي وعشرات الالاف من السوريين. وما يزال الاقليم يستضيف عشرات الآلاف من النازحين العراقيين وأكثر من ربع مليون سوري، وهو ما جعل العثور على وظائف بالنسبة للمواطنين امراً صعباً.
ووصل معدل البطالة الى 14 بالمئة في 2017 بعدما كان 6.6 بالمئة عام 2014، وما يزال يتذبذب صعوداً ونزولاً ولو بشكل طفيف.
تجاوز المرحلة الصعبة
يقول جميل علي، الذي يملك مطعما صغيرا في دهوك، انه منذ اكثر من عشر سنوات يعمل في هذا المجال، لكنه فقد عمله في العام 2015، وانه خلال ثلاث سنوات من الحرب والازمة الاقتصادية في الاقليم افتتح مع آخرين مطعما وكافتريا، كما عمل مديرا لمطعم، لكنها اغلقت جميعا بعد اشهر ولم تستطع الاستمرار في تحمل الخسائر بسبب قلة الزبائن رغم خبرته في هذا المجال من العمل.
ويضيف متحدثا لـ”الأهالي ريبورت”: “دائما كنا نقوم بتسريح العمال حين يتراجع العمل، ونبقي العمال الأساسيين فقط ممن يملكون خبرة وكفاءة وحتى ذلك لم يكن مجديا، فبعض العمال ممن يملكون خبرات جيدة كانوا يخسرون احيانا اعمالهم ويجهدون للحصول على عمل جديد.. كانت أياما صعبة خاصة مع دخول العمال السوريين دائرة المنافسة وبأجور اقل”.
ويتابع:”الأمور بدأت تتحسن منذ منتصف العام الماضي، ويبدو اننا تجاوزنا المرحلة الصعبة، ففي نهاية العام الماضي افتتحت هذا المطعم الصغير الذي يقدم الاكلات السريعة وخاصة الشاورما، وهو يعمل بشكل معقول ويوفر دخلا مناسبا، اضافة الى انه يشغل ثلاثة عمال وأحيانا اربعة”.
يوافقه الرأي جاره، احمد، الذي يعمل في مجال المستلزمات والمواد المنزلية، قائلا:”كدت اخسر عملي ومحلي في السنوات الماضية، لكني قاومت ذلك، كنت قبل الازمة الاقتصادية ابيع الاجهزة الكهربائية المنزلية، وكانت تجارتنا جيدة، لكن بعدها ساءت الامور”.
ويضيف لـ “الأهالي ريبورت” ان العديد من العاملين في السوق ممن أعرفهم “فقدوا اعمالهم وكانوا يبحثون عن عمل جديد، والغالبية استغنوا عن عمال الخدمة لديهم واداروا عملهم بشكل منفرد، كانت نسبة البطالة قد ارتفعت في السوق خاصة مع رغبة الكثير من الموظفين في الحصول على عمل اضافي وفي اي مجال وهذا اثر على اوضاع الكسبة”.
ولا يرحب احمد، باستقدام العمال الأجانب خاصة من غير الكفاءات، مبينا انهم يؤثرون على فرص العمل ويزيدون من نسبة البطالة، قائلا “نحتاج الى العمال ذوي الخبرة حصرا، وهذا دور الحكومة، فلا يمكنها ان تسمح بوصول عمال ينافسونا في تقدم الخدمات باجور مخفضة”.
عودة عمل الشركات
من جانب آخر فقد شهد إقليم كردستان خلال السنوات الأربع الماضية، تأسيس أكثر من 400 مصنع جديد في مختلف المجالات، برأسمال تجاوز المليار ونصف المليار دولار.
وأفادت إحصائية نشرتها المديرية العامة للتخطيط والمتابعة في وزارة التجارة والصناعة بإقليم كردستان في بيان حصلت (الأهالي ريبورت) على نسخة منه، أنه “تم خلال السنوات الأربع الأخيرة انشاء 421 مصنعاً جديداً برأسمال بلغ ملياراً و505 ملايين دولار، منها 310 مصانع في أربيل، بينما تم انشاء 89 مصنعاً في محافظتي السليمانية وحلبجة و22 مصنعاً في محافظة دهوك”.
وتشمل الإحصائية المصانع التي حصلت على إجازات من مديرية التنمية الصناعية في المحافظات وهيئة الاستثمار والغرف التجارية.
وأشار بيان الوزارة إلى أن “المصانع التي تأسست في السنوات الأربع الأخيرة، كانت 74 مصنعا للبلاستيك، 66 معمل صناعات غذائية، 60 معمل صناعات إنشائية، 57 معمل صناعات فلزية، 50 معمل موبيليات، 44 معمل صناعات كيمياوية، 39 معمل خدمات، 29 معمل صناعات سليلوزية، ثلاثة معامل أجهزة وعدد، ومعملي غزل ونسيج”.
وتظهر الإحصائية إلى أن “عدد هذه المصانع هو أقل بنسبة 45% من المصانع التي تأسست في أربع سنوات سابقة لهذه السنوات الأربع، لكن هناك اختلافاً كبيراً في تخصصات المصانع وفي أحجام رؤوس أموالها، حيث تم خلال أربع سنوات سبقن الأزمة المالية تأسيس 941 معملاً برأسمال قدره مليار و44 مليون دولار، بينما رأسمال المعامل التي تأسست في السنوات الأربع الأخيرة بلغ ملياراً و505 ملايين دولار، والسبب هو تأسيس ثلاثة معامل إسمنت”.
العمالة الايرانية
ورغم تحسن فرص العمل، والتي ساهمت في تقليل البطالة نسبيا، فان مراقبين يحذرون من تهديد العمالة الاجنبية مجددا للفرص المتاحة في السوق الكردستاني وبشكل أكبر من الماضي، مشيرين الى احتمال تدفق العمال الايرانيين الى الاقليم.
وتتوقع نقابة عمال كردستان أن تؤدي العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران إلى تدفق أعداد كبيرة من العمالة الإيرانية على الإقليم، داعية إلى وضع حد لتدفق العمالة الأجنبية نحو كردستان.
يشار إلى أن هناك نوعان من العمالة الأجنبية في إقليم كردستان، الأول يأتي من خلال شركات وبترخيص من وزارة العمل ويشمل العاملين في الشركات وخدمة البيوت، أما النوع الثاني فيأتي إلى الإقليم بحثاً عن فرصة عمل بترخيص أو بدونه.
51 الف عامل اجنبي
وتبين إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إقليم كردستان الى وجود 51000 عامل أجنبي (26000 عامل في مشاريع و25000 عامل في مجال خدمة البيوت) جاؤوا إلى الإقليم خلال الـ11سنة الأخيرة عن طريق 163 شركة مجازة، إضافة إلى أعداد كبيرة من الذين جاؤوا إلى الإقليم من تلقاء أنفسهم.
وقال رئيس فرع أربيل لنقابة عمال كردستان، صابر عثمان إن العقوبات الأمريكية على إيران ومؤشرات تردي الأوضاع المالية في إيران “سبب يدفعنا إلى الاعتقاد بتدفق عشرات آلاف الأيدي العاملة الإيرانية على إقليم كردستان، ولهذا نطالب الحكومة والوزارات المعنية بوضع حد لتدفق العمالة الأجنبية عموماً والإيرانية على وجه الخصوص، تلافياً لارتفاع نسبة البطالة وحرمان العمالة المحلية من فرص العمل”، وفق ما نقلته شبكة رووداو.
وتبين إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الإقليم أن تدفق العمالة الأجنبية في تزايد، فخلال عشرة أشهر من العام 2017، جاء إلى الإقليم 3529 عاملاً أجنبياً، بينما جاء إلى الإقليم في نفس المدة من العام الحالي 3882 عاملاً.
ويقول مدير دائرة العمل في أربيل، كارزان علي إبراهيم إن “أغلب العمال الذين يأتوننا لاستحصال إجازات عمل، إيرانيون وأتراك وسوريون، ويرتفع عدد الإيرانيين منهم بصورة يومية بسبب تأثيرات العقوبات الأمريكية على إيران وتراجع سعر صرف العملة الإيرانية”.
ولا يفرض القانون رقم 71 لسنة 1987 المعدل بالقانون رقم 4 للعام 2012 أية عوائق تمنع قدوم العمالة الأجنبية إلى إقليم كردستان، شرط أن يأتوا بطريقة رسمية ويكون محل عملهم معروفاً قبل الحصول على رخصة الإقامة.
تأثير جديد على فرص العمل
ويضيف إبراهيم ” بدأنا نلمس آثار زيادة العمالة الأجنبية وخاصة الإيرانية في إقليم كردستان، على تقليص فرص العمل وتراجع الأجور، لأن العمال الإيرانيين مستعدون للعمل بنصف أجور العمال المحليين”.
كما أن التوترات في الداخل العراقي دفعت عدداً كبيراً من العمالة الأجنبية العاملة في العراق، وخاصة من الجنسيات البنغالية والنيبالية، للتوجه إلى إقليم كردستان.
وأصدرت وزارة الداخلية في إقليم كردستان نهاية العام الماضي قراراً يقضي بأن يدفع كل واحد من هؤلاء العمال مليوني دينار لقاء منح الإقامة له، مليون لقاء الحصول على إقامة، ومليون عن عمله خلال المدة الماضية في الإقليم بدون رخصة.
وكان مدير عام ديوان وزارة الداخلية في إقليم كردستان، الدكتور سامي جلال، قد أعلن في وقت سابق عن إمكانية تسجيل جميع العمال البنغال المتواجدين في إقليم كردستان في موعد أقصاه 31 كانون الأول 2018 ودفع مليوني دينار للبقاء في كردستان، وكل من لا يستحصل رخصة إقامة حتى ذلك الموعد، سيلقى القبض عليه ويرحل إلى بلده”.
وأظهر مسح أجرته هيئة الإحصاء في إقليم كردستان في العام 2013 أن نسبة البطالة في إقليم كردستان كانت 6.5% لكن هذه النسبة ارتفعت في العام 2016 بسبب الأزمة المالية وحرب داعش إلى 13.53%.
وأظهر أحدث مسح سكاني أجرته هيئة الإحصاء في السنة الماضية بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية والأمم المتحدة، أن نسبة البطالة في العام الماضي تراجعت 3.33% مقارنة بالعام 2015، وأن معدل البطالة في إقليم كردستان أصبح 10.2%.
اجراءات لم تراع الأوضاع
ومن خلال التمعن في إحصائيات وزارة العمل المتعلقة بمنح رخص العمل للأجانب من خلال الشركات في اعوام الأزمة الاقتصادية، يظهر أن الوزارة لم تراع ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض نسبة فرص العمل، فخلال المدة 2007-2013 عندما كانت الأوضاع الاقتصادية في إقليم كردستان مستقرة وكانت نسبة البطالة 6.5%، سمحت الوزارة بقدوم 21396 عاملاً أجنبياً، لكن في فترة الأزمة المالية وارتفاع نسبة البطالة إلى 13.53% سمحت الوزارة بقدوم 29832 عاملاً أجنبياً للعمل في الإقليم.
وقال مسؤول التشغيل في المديرية العامة للعمل والضمان الاجتماعي، وهو المسؤول عن منح رخص استقدام العمالة الأجنبية، ديدار محمد لشبكة رووداو إنه “من أجل توفير فرص عمل للعمالة المحلية، وضعنا مجموعة محددات وقيود على استقدام العمالة الأجنبية، فمثلاً يجب على أية شركة تطلب استقدام عمالة أجنبية تحديد تخصصات ورواتب العاملين المستقدمين، وفي حال وجود عمالة محلية تعمل في هذا الاختصاص لا نمنح لهم الرخصة، وفي حال عدم توفرها، يجب على الشركة الإعلان عن فرصة العمل 15 يوماً في جريدة يومية وتوظيف أي عامل محلي يتقدم للوظيفة الشاغرة، وفي حال عدم تقدم أي عامل محلي للوظيفة نمنح الرخصة للشركة لاستقدام عمالة أجنبية”.
ويشير محمد إلى أن العمالة المحلية لا تقبل بكل وظيفة، وكمثال يشير إلى معمل حديد أربيل الذي طلب 180 عاملاً محلياً، لكن 30 شخصاً فقط تقدموا للعمل فيه، فاضطرت مديريته أن تمنح للمعمل رخصة استقدام عمالة أجنبية.
لكن رئيس فرع أربيل لنقابة عمال كردستان يقول إن “العذر الذي تستخدمه وزارة العمل لاستقدام العمالة الأجنبية هو أن العمال المحليين لا يقبلون بكل وظيفة، لكننا نرى أن السبب الوحيد هو أن أصحاب الأعمال والمشاريع لا يريدون سوى مصالحهم، ويريدون من العمال أكبر قدر من العمل لقاء أدنى الأجور، وعندما لا يقبل العامل المحلي بهذا، يأتون بعمال أجانب”.
“ع ع” و”س ن”
*المصدر: صباح كوردستان