ازدياد كبير بمعدلات الطلاق في كردستان خلال عامي 2017 و2018
ارتفع معدل حالات الطلاق في اقليم كردستان خلال العامين الاخيرين بحسب احصائية صادرة عن مجلس القضاء في الإقليم، في ظاهرة يرجعها نشطاء وصحفيون الى الأزمة الاقتصادية التي شهدها الإقليم خلال السنوات الماضية والتي أثرت على حياة الأسر الى جانب أسباب اجتماعية أخرى.
وكانت الأزمة الإقتصادية التي بدأت في إقليم كردستان قبل خمس سنوات مع تراجع اسعار النفط في السوق العالمية وقطع الحكومة الاتحادية لموازنة الاقليم المالية بسبب اصرار حكومة الاقليم على بيع انتاجه النفطي بشكل مستقبل، قد القت بظلالها على مجمل مناحي الحياة في الاقليم، وشكلت سبباً رئيسياً في زيادة الظواهر السلبية ومنها ارتفاع معدلات الطلاق في كردستان بشكل غيرمسبوق، فيما شكلت الخيانة الزوجية وجملة مسائل اجتماعية كالانفتاح على العالم و”الغزو التكنولوجي” أسبابا اخرى للطلاق.
ويعاني المجتمع الكردي منذ أكثر من عقدين من الزمان من ازدياد في معدلات الطلاق عاما بعد آخر حيث دفع عاملا الفقر وهجرة الرجال الى اوربا وتركهم لعوائلهم في تسعينات القرن الماضي الى بروز حالات الطلاق، ليكون الاطفال هم الضحية الاولى لهذه الظاهرة رغم انعكاساتها السلبية الأخرى كما يرى أحد الباحثين الاجتماعيين.
ونشر مجلس القضاء في اقليم كردستان احصائية وصفت من قبل نشطاء بالصادمة عن معدل وأرقام حالات الطلاق في كردستان والزيادة الملحوظة في أعدادها خلال عامي 2017 و2018.
9192 حالة طلاق في 2018
تظهر الإحصائية التي حصلت “صباح كوردستان” على نسخة منها، انه “في عام 2017 شهدت أربيل تسجيل (2986) حالة طلاق، فيما وصل العدد الى (3598) في عام 2018 بزيادة بلغت (613)، فيما سجلت السليمانية (1369) حالة طلاق خلال عام 2017، ووصل العدد الى (4085) خلال عام 2018 بزيادة وصلت الى (2725)، فيما تعتبر دهوك الأقل عدداً مقارنةً مع أربيل والسليمانية، حيث سجلت (1384) حالة طلاق في عام 2017، و (1509) حالة في عام 2018 بزيادة بلغت (125).
وبحسب الإحصائية نفسها، فأن عام 2017 سجل (5765) حالة طلاق في عموم الإقليم، إلا أن العدد ازداد بشكل ملفت للنظر في عام 2018 حيث وصل الى (9192) حالة طلاق، بزيادة بلغت (3427) حالة.
أهم الأسباب
وعزا المجلس بحسب البيان أسباب ارتفاع معدلات الطلاق خلال العامين المذكورين الى عدة مسائل أبرزها الأزمة الاقتصادية التي شهدها الإقليم خلال السنوات الماضية والخيانة الزوجية وتزايد مطالبات النساء ببيت خاص لها بعيدا عن اهل الزوج وكميات كبيرة من الذهب واموال أكبر لتلبية مستلزمات الزواج، اضافةً الى المشاكل التي يفرزها الاستخدام السلبي للموبايل والأسباب الاجتماعية الأخرى.
السنة أربيل السليمانية دهوك
2017 2986 1369 1384
2018 3598 4085 1509
الزيادة: 613 2725 125
المجموع الكلي
السنة عدد الحالات
2017 5765
2018 9192
الزيادة 3427
بطء البرلمان تجاه القضايا الاجتماعية
تقول نائب رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان ببرلمان إقليم كردستان، كولستان سعيد انه “لحد الآن البرلمان لم يقم بواجبه بشكل صحيح تجاه القضايا الاجتماعية التي ازدادت خلال السنوات الاخيرة”، مضيفة “أعددنا الكثير من القوانين لتعديلها لاسيما التي تتعلق بحالات العنف والعنف الأسري وحماية الطفل لكن للأسف النتائح كانت مخيبة بالنسبة لنا”.
وترى سعيد في حديثها لـ”صباح كوردستان”، ان “الازمة الاقتصادية لعبت دوراً رئيسياً في زيادة معدلات الطلاق في اقليم كردستان، لأن أغلب العوائل تفككت مع تفاقم تلك الأزمة”، مبينةً ان “البطالة أيضاً كان لها تأثير مباشر على هذه الظاهرة”.
غياب الوعي وتراجع الثقافة العامة
وحصلت أغلب حالات الطلاق بين فئة الشباب الذين لم يصل أعمارهم الى الخامسة والعشرين عاما، بحسب ما تقوله كولستان التي أكدت أن “الطلاق يزداد بشكل كبير بين الشباب لغياب الوعي بمتطلبات الأسرة بالدرجة الأساس، والعديد من الأسباب الأخرى منها عدم توفر عقار مناسب لهم وغيرها من الأسباب كتوفر العمل المناسب”.
وتؤكد كولستان انه اضافةً الى الأسباب الاقتصادية، فان الانفتاح العالمي والتطور السريع الذي يشهده العالم يوم بعد آخر في مجالات الاتصالات والانترنت وشيوع شبكات التواصل الاجتماعي كان لها انعكاس سلبي على حياة الفرد، وساهمت بشكل كبير في زرع العديد من المشاكل بين الازواج كالخيانة الزوجية وتعدد العلاقات وهذا ما ساهم في زيادة الطلاق في الإقليم مع تراجع مستوى الثقافة العامة وعدم امتلاك الثقافة والمعرفة بشأن استخدام تكنلوجيا المعلومات وتجنب سلبياتها، وبالتالي انتشار هذه الحالة زرع فراغ كبير في نفوس الازواج، وتكون النتيجة والمحصلة النهائية اللجوء الى الطلاق”.
مسؤولية اللجان البرلمانية
وعن دور البرلمان ولجنة الشؤون الاجتماعية والدفاع عن حقوق المرأة في متابعة ملف زيادة معدلات الطلاق في الإقليم خلال العامين الآخرين، ترى نائب رئيس اللجنة انه ليس من مسؤولية لجنتها متابعة هذه الظاهرة السلبية فقط وانما يقع العاتق أيضاً على اللجان الأخرى مثل التربية التي من شأنها ان تساهم في تثقيف الناس وزيادة الوعي عندهم وكذلك لجنة المالية والاقتصاد التي يجب ان تنظم واردات الاقليم وتساهم الى حد كبير في تأمين حياة المواطنين وتأمين حياة هادئة لهم، وتقع المسؤولية ايضاً على لجنة الصحة بالعمل ايضا على تقليل حالات الطلاق من خلال فحص الأزواج بشكل جيد قبل الزواج والتحذير من الأمراض المزمنة التي يعجز الكثير من المواطنين توفير الأموال الكافية للعلاج منها وتوجيه النصائح للأزواج من جميع الأمراض التي من الممكن ان تساهم في ولادة أطفال مرضى بسبب عدم تطابق الدم أو الأمراض الوراثية”.
الاعلام ايضا له دور
ويحذر نشطاء مجتمع مدني وصحفيون الى جانب آخر من المشكلة يتمثل في “الدور السلبي للإعلام” في زيادة حالات العنف الأسري والظواهر السلبية الأخرى كالطلاق خلال السنوات الأخيرة في كردستان خاصة مع انتشار متابعة المسلسلات التركية المترجمة الى الكردية والتي لاتنسجم مع عادات وتقاليد المجتمع الكردي وتساعد على نشر افكار ومفاهيم غريبة، فضلاً عن البرامج الفنية “الهابطة” التي تركز على صورة المرأة، وفي ظل ندرة البرامج التي تنمي الأسر والمجتمع.
ويعتبر الغضب وعدم التفاهم وغياب الانسجام بين الزوجين من الأسباب البارزة في حدوث الطلاق بين الرجل والمرأة، بحسب الصحفي الكردي دشتي بلباس الذي دعا الاعلام الكردي الى “الترويج لتمتين أواصر العلاقات الزوجية والتثقيف بآلية بنائها داخل الأسر مع الابتعاد عن طرح المواضيع التي تخدش الحياء وتساهم في زيادة المشاكل الأسرية بين الزوجين كما نلاحظه اليوم للأسف في الاعلام الكردي”.
عقد الندوات والحوارات
ويرى بلباس، في حديثه لـ(صباح كوردستان) انه من الضروري ان يبتعد الإعلام الكردي عن طرح ما يساهم في “تفكيك العلاقة الأسرية مع التأكيد على مناقشة سلبيات الطلاق والانفصال بين الزوجين وانعكاساته السلبية على الأطفال”، مؤكداً على الدور البارز لإنعقاد “الندوات والحوارات والمؤتمرات لمناقشة أسباب الطلاق وسلبياته وتأثيراتها التي لا تشمل الزوجين فقط بل العائلة والمجتمع كله”، داعيا الى تبني برامج الارشاد الاجتماعي والتأكيد على قيم الزواج وبناء الأسرة والتقاليد الايجابية في المجتمع الكردي “والعمل على اعداد التقارير الدقيقة والاحصائيات عن هذه ظاهرة الطلاق وايجاد سبل حلها بأسرع وقت”.
وطالب الصحفي الكردي المؤسسات الاعلامية الكردية وخصوصاً القنوات الفضائية الى بث برامج مباشرة مع استضافة أصحاب الشأن والاختصاص من رجال الدين والأطباء ومثقفي المجتمع والعاملين في منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان للحديث عن الظواهر السلبية التي تزداد يوما بعد آخر في كردستان ومنها الطلاق مع ايجاد الحلول لها ومناقشتها بشكل مباشر مع المواطنين وعمل لقاءات مع المطلقين والمطلقات ومعرفة أهم وأبرز الأخطاء التي وقعوا فيها ولم يستوعبوها وفيما اذا كانوا نادمين على هذه الخطوة أم لا وهل صار الاطفال ضحية قرارهم ذلك، مع التركيز على ضرورة عدم تدخل الأشخاص غير المعنيين بالمشاكل بين الزوجين.
الجهل بالحقوق الزوجية
تقول المحامية ريزن رحيم، المختصة في القضايا الاجتماعية والأسرية ان الطلاق ازداد خلال الأعوام الخمسة الأخيرة كثيراً في الإقليم، مبينةً في حديثها لـ”صباح كوردستان”، ان “الطلاق يأتي في الدرجة الاولى بين الفئات العمرية المحصورة بين عامي (25-30) سنة نتيجة عدم خبرتهم بالحياة وعدم فهمهم لقيم الأسرة”.
وترى المحامية الكردية ان أسباب الطلاق تتمثل بشكل اساسي بغياب الوعي التام لدى “المرأة والرجل بالحقوق الزوجية ومعرفة كيفية حل المشاكل اضافةً الى تدخل الأهل والأقرباء من كلال الطرفين بالمشاكل الزوجية”.
ولفتت إلى أن “أغلب حالات الطلاق تقع بين الأزواج الذين لم يمضى على زواجهم أكثر من سنتين”، موضحةً ان “البعض الآخر يقع بين الازواج الذين يرزقون بطفل واحد أو طفلين على الأكثر”، وأكثر نسب الطلاق تقع بين الفئتين المذكورتين.
ولا تخلو محاكم الإقليم يوما واحدا من دعاوى طلاق، مع ازدياد ملحوظ في عدد المفصولين او في الحالات المتعلقة بحصول عنف او مشاكل بين الأزواج.
وتؤكد المحامية الكردية انه بالرغم من ازدياد حالات الطلاق خلال السنوات الماضية الا ان العديد من الأزواج بعد وقوع الطلاق بينهم ومعرفتهم بالخطأ الذي اقترفوه وما ينتظر أطفالهم من مصاعب اجتماعية ونفسية مع تحولهم الى ضحايا لمشاكل عوائلهم، يحاولون العودة الى بعض سواء كان بعقد جديد او بنفس العقد القديم، والكثير من هذه الحالات شهدتها محاكم الاقليم خلال الفترة الماضية.
أبرز سلبيات الرجل والمرأة
ومن الضروري ان تعمل حكومة الإقليم على فتح اماكن خاصة لتثقيف المقبلين على الزواج وزيادة الوعي لديهم وتثقيفهم بكيفية مواجهة المشاكل والعقبات الزوجية، بحسب رأي الباحثة الاجتماعية ديلان رؤوف التي قالت لـ”صباح كوردستان” ان “المشكلة الأساسية تتمثل في ان الأزواج غير واعين أبداً فيما يخص الحقوق الزوجية وكيفية مواجهة المشاكل والحوار مع الآخر”.
وتضيف روؤف لـ”صباح كوردستان” قائلة ان “الطلاق يزداد يوم بعد آخر في الإقليم لعدة أسباب عدا الأزمة الاقتصادية والتطور التكنولوجي، فغياب الوعي لدى الزوجين سبب رئيسي في جميع حالات الطلاق، فالكثير من الازواج عند حدوث المشكلة مع الشريك يلجأ الى العنف او الضرب او الصراخ بالنسبة للرجل، واما المرأة فليس لديها سوى ان تستعين بأهلها دون أن تفكر بايجاد حلٍ لمشكلة مع زوجها أو ان تذهب الى بيت أهلها دون أن تجلس وتتحاور مع زوجها لتعرف ماهية المشكلة وكيفية حلها”.
وتنصح الباحثة الكردية جميع الأزواج الى عدم الإستعجال بقرار الطلاق أبداً، لأنه يهدم الأسرة ويفكك العائلة ويؤثر على علاقات الزوجين بمحيطهما بل وبعملهما ويكون الأطفال هم الضحية أولاً واخيراً، في حين ان الحوار مع البعض ومعرفة انه لكل انسان سلبياته ولا وجود للشخص المثالي وتقبل الاخر رغم سلبياته يعمق العلاقة الزوجية ويقودها نحو الأفضل ويجعل من حياتهم هادئة بعيدةً عن المشاكل، مع تأكيدها على ضرورة عدم زج الأهل والأصدقاء في المشاكل الزوجية مهما بلغت بين الزوجين إلا في حالة واحدة عندما يتطلب الامر التدخل من قبل أشخاص معنيين وقريبين من الزوجين.
ت: س ن
*نقلا عن صباح كوردستان عدد يوم 18/6/2019