يَشبَهُ حكومات الشرق الأوسط !
امين يونس
قبلَ بضعة سنين ، قالَ الإبن الصغير ل ” حمكو ” لوالده ، أنه يُريد دراجةً هوائية مثل تلك التي يمتلكها إبن الجيران ، فأجاب حمكو : ليس الآن ياولدي ، لأن في نيتي أن أشتري مُبّرِدة هواء للمنزل .. أوعِدَكَ بأن أجلب لك دراجة في الأشهُر المُقبِلة بِعون الله .
بعد مُدّة ، إحتاج الولد إلى حقيبةٍ مدرسية . فأجابهُ حمكو : يا عزيزي ، إستخدِم حقيبة أخوك الكبير، فهو لم يَعُد يحتاجها ، ولا زالتْ مقبولة ولا بأسَ بها … فكما تعرف علينا الإقتصاد ، لأنني أزمع شراء تلفزيونٍ بدل التالف الذي عندنا . وبعد أسابيع فقط ، سأشتري لك حقيبة ممتازة إنشاء الله .
بعد شهر ، طلبَ المُدير من التلاميذ ، ان يرتدوا في اليوم التالي ، زياً خاصاً بالشُرطة ، إحياءاً وتقديراً ليوم الشرطة وقوى الأمن الداخلي . وهذه الملابس متوفرة في الأسواق ، وهي عبارة عن بدلات صغيرة الحجم تُحاكي زَي ضُباط الشُرطة وبِمُختلَف الرُتَب . فلما طلب الولدُ من والده ، شراء بدلةٍ لهُ بهذهِ المُناسبة إسوةً بزملائه … أجابَ حمكو قائلاً : ( إذهب بملابسك العادية المدنية ، فإذا سألَكَ المُدير ، قُل لهُ أنكَ شُرطي أمِنْ ! ) . فأنتَ تدري يا بُنَي أنني أمُرُ بأزمة مالية . ووعدٌ مِنّي أن أشتري لك ، عندما يتحسن الوضع ، بدلة ضابط مُحتَرَمة وبرتبة لواء رُكُنْ على الأقَل ! .
بعد شهرَين ، أرادتْ المدرسة ان تُنظِم سفرة للطلاب إلى منطقةٍ سياحية قريبة ، وطلبوا من الذين يودون المُشارَكة ، ان يُسّدِدوا مبلغاً مُعيناً . وحين أخبرَ الولد أباه حمكو ، أجابَ الأخير : ياعزيزي … أولاً أن تلك المنطقة التي سيذهبون إليها ، ليسَ فيها شيءٌ مُميَز .. وأنا مُتأكِد أنك ستنزعِج إذا ذهبت . ثانياً ، اُنظُر إلى جدول الأنواء الجوية ، فأن ذلك اليوم بالذات ، ستكون فيهِ الرياح قوية وان عواصف تُرابية ستهُب . ثالثاً ، تعرف أنني أحتاج لِكُل دينار في هذه الفترة لتسديد الإلتزامات التي علينا . أنا حُرٌ ياولدي .. ووعد الحُرِ دَيْن .. أوعدكَ بعد إنفراج هذه الغَمة عن قريب ، سوف آخذك في جولةٍ سياحية في أوروبا ، بإذن الله تعالى .
بعد سنة ، وفي طريق عودتهم من السوق ، مّروا من أمامَ مطعمٍ للمشويات ، ففاحتْ رائحة الكباب المشوي ، اللذيذة ، وهاجَمَتْ خياشيم الولد ، الذي قال على الفَور : يا أبي لندخُل فأنا أشتهي الكباب . أجابَ حمكو على الفور ساحباً يد إبنهِ : ماذا تقول ياحبيبي ؟ أتعلمُ أنني عندما راجعتُ الطبيب يوم أمس ، ماذا قالَ لي ؟ قالَ لي بأن الدهونات عندي مُرتفِعة كثيراً وذلك خطرٌ على القلب ويُسبب تضيُق الشرايين . وقالَ الطبيبُ بالحَرَف : يبدو أنكَ في شبابك كُنتَ تأكل الوجبات الدسمة ولا سيّما الكباب . فقلتُ له : نعم ذلك صحيح يادكتور .. فقال : هذه هي النتيجة .. مشاكل صحية وتهديد لعمل القلب والدماغ .
أنا ياولدي الحبيب ، عندما كنتُ في مثل عمرك ، كنتُ أشتهي الكباب وكنتُ آكُله .. فأنظر إليّ الآن وكيف أصبحتُ مريضاً ؟ لا أريد لك مثل هذا المصير ! .
……………………
الولَد مُخاطباً أباه حمكو : بعد أن فكرتُ مَلِياً … فأنكَ تشبهُ حكومات الشرق الأوسط الرشيدة .
إستاءَ حمكو وإغتاضَ : ماذا ؟ هل تشتُمني يا إبن الكلب ؟!.