2024-11-28

هذا التحقيق منجز بدعم من الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية نيريج تعيد الأهالي ريبورت نشره لأهميته .

1

تحقيقات
الطريق الوعر… شهادات لاجئين في رحلتهم بين تركيا وأوروبا
الاحلام التي تتبدد على الحدود اليونانية… طرق اللاجئين الوعرة إلى أوروبا

ميزر كمال وعفاف الحاجي
بعد محاولتين فاشلتين، نجح اللاجئ السوري ميزر الخالدي (29 عاماً) في محاولته الثالثة للدخول إلى معبر بازاركولي (كاستيناس) الحدودي بين تركيا واليونان. هناك، وعلى مسافة 200 متر من البوابة الرئيسية، نَصَب ميزر خيمة صغيرة، بانتظار أن تفتح اليونان حدودها المغلقة بالأسلاك الشائكة، وتسمح له بالعبور إلى السويد حيث يحلم أن يعيش.
في آخر اتصال هاتفي معه في العاشر من آذار/مارس 2020، بدا ميزر غير واثق من صموده على المعبر الشهير كغيره من العشرات على نقاط تمركز المهاجرين الصغيرة على طول الحدود اليونانية البرية والبحرية المحمية بحلقات متوالية من رجال الأمن ومن الناشطين اليمينيين اليونانيين الرافضين لاستقبال اللاجئين الحالمين بالوصول إلى أوروبا.
يربط الخالدي “يأسه” بالأوضاع الإنسانية المزرية، وبالمحادثات السياسية التي جرت في بروكسل بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ودول الاتحاد الأوروبي، والتي يرى أنها بداية صفقة جديدة بين تركيا وأوروبا تضمن حصول أنقرة على دعم مالي مقابل تخفيف الضغط على الحدود. “هذا ما سيحدث بالفعل، ستوافق تركيا، وهذا المعبر لن يُفتح لنا أبداً”.
في هذا التحقيق، وعلى مدى أسبوعين، تتبعنا حركة اللاجئين من إسطنبول إلى الحدود التركية اليونانية والعكس، ووثّقنا شهادات العشرات منهم في رحلتهم الطويلة نحو العبور إلى أوروبا، وكيف كانت الشرطة التركية تفتح لهم الطرق والممرات وتنقلهم بباصات مجانية خاصة إلى مناطق حدودية نائية على امتداد نهر ميرج (إفروس) وتوجههم للعبور إلى الضفة اليونانية، وكيف تعاملت الشرطة اليونانية وحرس الحدود مع الذين تمكنوا من العبور فعلاً، حيث تعرضوا للاعتقال والتعذيب وأُعيدوا قسراً إلى الأراضي التركية.
عندما أعلنت تركيا في الثامن من فبراير/ شباط 2020 أن حدودها مفتوحة أمام اللاجئين الراغبين بالعبور إلى أوروبا، بدأ عشرات آلاف اللاجئين من مختلف المدن والولايات التركية بالتوافد إلى مدينة إسطنبول، للانطلاق منها إلى مدينة أدرنة الحدودية مع بلغاريا واليونان.
في منطقة أكسراي في الجانب الأوروبي لمدينة إسطنبول، يتجمع يومياً مئات اللاجئين من جنسيات مختلفة للانطلاق في باصات مخصصة لنقلهم نحو أدرنة، ومنها عبور الحدود إلى دول الاتحاد الأوروبي.
بعد ثلاثة أيام أمضيناها مع اللاجئين في حديقة مراد باشا التي تُعد أكبر نقاط التجمع للراغبين بالذهاب إلى الحدود اليونانية؛ قررنا مرافقة مجموعة مكونة من 25 لاجئاً، والذهاب معهم في الباص إلى مدينة أدرنة ومن هناك التوجه إلى معبر بازاركولي بين تركيا واليونان، والذي يحتشد فيه عشرات آلاف اللاجئين من جنسيات مختلفة بانتظار أن تفتح اليونان بواباتها لهم.
انطلق بنا الباص الساعة التاسعة مساءً من يوم الخميس 5/3/2020 وكانت مجموعة اللاجئين التي رافقناها تضم سوريين وفلسطين وعراقيين ومغاربة وإيرانيين وأتراكاً وبنغلادشيين. وبعد أن قطعنا مسافة 260 كيلومتراً في رحلة استغرقت خمس ساعات و45 دقيقة (تخللتها عدة وقفات للاستراحة) وصلنا إلى آخر نقطة يستطيع الباص الوصول إليها، ونزلنا لنكمل بقية الطريق إلى معبر بازاركولي مشياً على الأقدام.

الطريق الوعر
عند وصولنا إلى مدينة أدرنة، وتحديداً إلى آخر نقطة يمكن للباصات أن توصِل اللاجئين إليها (قبل 5 كيلومترات من معبر بازاركولي الحدودي بين تركيا واليونان)، اندفع نحونا جمعٌ من المهرّبين الأتراك مع سياراتهم؛ كلٌّ يريدُ إقناعنا بأنه هو من يعرف الطريق الأقرب والأفضل للوصول إلى المعبر الحدودي مقابل 50 ليرة تركية للشخص الواحد، دون المرور بنقاط التفتيش التابعة للشرطة التركية، حيث تمنع اللاجئين من الوصول إلى معبر بازاركولي، وتنقلهم إلى مناطق أخرى على امتداد نهر ميرچ (إفروس)، أو تعيدهم مرة أخرى إلى إسطنبول.
في الباص الذي أقلنا مع مجموعة اللاجئين من إسطنبول إلى الحدود التركية اليونانية، كان بصحبتنا شابان سوريان من مدينة حمص هما ميزر وخالد أبو ربيع (30 عاماً) ولكليهما محاولة سابقة للوصول إلى الحدود والعبور إلى اليونان.
حكى ميزر وخالد للراكبين ما حصل معهما في التجربة السابقة، وحذّرا الجميع من خوض المعاناة نفسها. ميزر وخالد كانا قد استقلّا الباصات المنطلقة من أكسراي ليصلا إلى نقطة تبعد عن أدرنة 30 كيلومتراً، حيث يعترض قوافل اللاجئين أول حاجز للشرطة التركية.
يقول ميزر: “طُلِب من جميع اللاجئين في الباص حينها النزول، ووجهتنا الشرطة التركية لركوب سيارات مخصصة أخذتنا إلى نقطةٍ مجهولةٍ في العراء على امتداد نهر ميرچ الحدودي مع اليونان وأعطونا التوجيهات هناك لعبور النهر”.
يتابع ميزر: “عبرت مع مجموعة من اللاجئين النهر، وقطعنا مسافة صغيرة في عمق الأراضي اليونانية، لكن سرعان ما وصلت إلينا الشرطة اليونانية وبدأت باعتقالنا، وأخذ كل ممتلكاتنا من الوثائق الثبوتية التي بحوزتنا وأجهزة الموبايل والنقود، وكل ذلك مع معاملة عنيفة وضرب، ومن ثم أعادتنا قسراً إلى الأراضي التركية”.
في هذا التحقيق، وعلى مدى أسبوعين، تتبعنا حركة اللاجئين من إسطنبول إلى الحدود مع اليونان والعكس، ووثّقنا شهادات العشرات منهم، وكيف كانت الشرطة التركية تفتح لهم الطرق وتنقلهم بباصات مجانية إلى مناطق حدودية نائية… قبل أن يصطدموا بقسوة الواقع
كان هدف الشابين السوريين بتجربتهم بالوصول لمعبر بازاركولي دون أن تراهم الشرطة التركية، لأن “الشرطة التركية لا تدعك تصل إلى نقاط التجمع الرئيسية بسبب الأعداد الكبيرة من اللاجئين فيها، بل تأخذك إلى مناطق نائية وبعيدة، وتوجهك للعبور من هناك”.
مدّ ميزر يديه أمامنا ليُرينا آثار الجروح المتبقية على جلده من الركض بين أشجار الغابات والأغصان الجرداء، كما أرانا خالد سترته الممزقة إثر الركض الليلي من مطاردات الشرطة اليونانية.
تعزز شهادة ميزر الخالدي شهادةُ المجموعة البنغلادشية التي صاحبتنا في الباص. تتكون المجموعة من رجلٍ اسمه عبد الأحمد، يتحدث لغةً عربية ركيكة، ومعه شابان من بنغلادش أيضاً، أعمارهما لا تتجاوز الخامسة عشرة، أحدهما أصيب بكسر في يده اليسرى خلال تجربة خروجه السابقة إلى الحدود اليونانية، ويأتي الآن ليحاول مرة أخرى.
يقول عبد الأحمد إنه أُخِذ إلى مناطق النهر بغير مشيئته، اعترضتهم الشرطة التركية قبل الوصول إلى معبر بازاركولي وأخذتهم في باصات خاصة إلى منطقةٍ نائية على خط نهر ميرچ وهناك واجهوا المصير ذاته الذي واجهه ميزر ورفاقه، حيث تعرضوا للاعتقال والضرب وأخذت الشرطة اليونانية وثائقهم الثبوتية وأجهزة الموبايل ونقودهم، ومن ثم أعادتهم مرة أخرى إلى الأراضي التركية.
عبد الأحمد تحدث عن وفاة أحد أفراد المجموعة البنغلاديشية التي حاولت العبور إلى اليونان في المرة الأولى، يقول إنهم كانوا 6 أفراد، وتعرضوا لحادث سير في أدرنة، دون أن يحدد بالضبط المنطقة التي وقع فيها الحادث، أو كيف حدث ذلك.

قرّرت مجموعة اللاجئين التي رافقناها إلى الحدود التركية اليونانية تجاهل المهرّبين الأتراك، لانعدام الثقة بهم، وحملوا أغطيتهم وخيمهم وعبوات المياه الكبيرة والحقائب الثقيلة والفتيات الصغيرات الثلاثة اللواتي كنّ مع العائلة السورية التي رافقتنا في الباص على الأكتاف؛ ليقطعوا مسافة الكيلومترات الخمسة مشياً على الأقدام وصولاً إلى معبر بازاركولي، مهتدين خلال المشي بخرائط غوغل والتجارب السابقة.
قررنا المشي مع مجموعة اللاجئين، وإكمال الرحلة معهم حتى يصلوا إلى المعبر، الوقت حينها كان قد تجاوز الثانية بعد منتصف الليل، والظلام والبرد القارس يجعلان الرحلة أصعب، لكن الأمل بالوصول كان يدفع الجميع إلى مواصلة الطريق الوعر بين الغابات والحقول الزراعية.
بعد ساعتين من المشي البطيء مخافة أن ترانا الشرطة التركية، وصلنا إلى أطراف قرية كاراغاچ (karaağaç) المحاذية لمعبر بازاركولي الحدودي، وهناك توقفنا عن المشي وأطفأنا أضواء أجهزة الهاتف بعد أن لمحنا سيارةً أطفأت أضواءها ووقفت حائلاً بيننا وبين مواصلة المسير.
في بداية الأمر، كنا نظن أن السيارة تتبع لمهربين أتراك يقفون على قارعة الطريق للإيقاع بالقادمين إلى المعبر من أجل بعض النقود، لذا قررنا وبشكل جماعي أن نواصل السير، لكن السيارة كانت تتبع للشرطة التركية، وعندما حاولنا عبورها نادوا علينا وفتحوا الأضواء علينا، وعرَّفوا عن أنفسهم بأنهم الشرطة ولن يسمحوا لنا بالعبور، وبرروا ذلك بأن الجانب اليوناني يتعامل بقسوة مع اللاجئين هناك.
اصطحبتنا سيارة الشرطة في سرب طويل إلى نقطة تفتيش أخرى، وأخبرونا أن معبر بازاركولي أُغلق أمام اللاجئين الجُدد، وأنهم يعتزمون إخلاء المعبر من اللاجئين المتمركزين هناك في الأيام القليلة القادمة، وأن هناك نقطة تمركز جديدة عند قرية “يني كادين” التركية الحدودية، حيث سيأخذوننا إليها (وقد تأكدت المجموعة من موقعها في تطبيق خرائط غوغل).
وصلنا إلى الحاجز التركي على أطراف قرية كاراغاچ، واحتشدت المجموعة حول النار التي أشعلتها الشرطة لغرض التدفئة، منتظرين الباص الذي سيقلّنا إلى قرية “يني كادين” وهنا بدأت المخاوف تساور المجموعة من تكرار السيناريو الذي تعرض له بعضهم في محاولاته السابقة عندما أخذتهم الشرطة التركية إلى مناطق نائية قرب نهر ميرچ ومواجهة العبور الكابوسي إلى اليونان.
ورة من تطبيق خرائط غوغل توضح المسافة بين معبر بازاركولي وقرية يني كادين
عند هذه النقطة، قررنا الانسحاب من المجموعة التي رافقناها طيلة ليلة كاملة من إسطنبول إلى الحدود التركية اليونانية، مخافة أن تأخذ الشرطة ما بحوزتنا من صور وفيديوهات وشهادات وثقنا بها الرحلة، وعندها تحدثنا للشرطة باللغة التركية أننا تعِبنا من الرحلة واكتشفنا عدم تجهزنا للبقاء على الحدود، وأننا نريد فقط العودة إلى داخل مدينة أدرنة.
في أول الأمر؛ اشتبه عناصر الشرطة بنا، وطلبوا منا إظهار وثائقنا الرسمية (جوازات السفر وهوية الإقامة التركية) وحين تأكدوا من جنسياتنا قال لنا أحدهم: “لكن الحدود مفتوحة، لماذا لا تكملون مع رفاقكم؟ عليكم أن تحاولوا وستصلون إلى أوروبا”.
وافقه زميله بنفس الكلام مستغرباً من قرار عودتنا ومشجّعاً إيانا على الاستمرار حتى نهر ميرچ، وهو ما أثار خوفنا أكثر؛ وعندها أكدنا لهم أننا سنذهب إلى الحدود بالفعل لكننا نريد فقط الاستراحة ليوم واحد في أدرنة.
بعد هذا الحديث اتصل أحد أفراد الشرطة بــ”رفيق” له لديه سيارة أجرة، وبالفعل لم تمض إلا دقائق قليلة حتى وصل السائق وحملنا بسيارته إلى الأوتوغار (مركز تجمع الباصات في المدينة) ومن هناك قطعنا تذاكر العودة إلى مدينة إسطنبول.
خلال حديثنا مع أفراد الشرطة لإقناعهم بضرورة العودة إلى أدرنة، لاحظ أحد عناصر الشرطة وجود مجموعة من اللاجئين يسلكون الطريق ذاتها التي سلكناها نحن باتجاه معبر بازاركولي وعندما أخبر الشرطي رفاقه لم يُبدوا أية ردة فعل، وعقّب أحدهم قائلاً: “دعهم، الآن تُمسكهم إحدى سيارات الشرطة هناك”.
بعد مغادرتنا بقينا على تواصل مع المجموعة التي رافقناها إلى أدرنة، أخبرونا أنهم انتظروا عند نقطة التفتيش لمدة ساعتين، إلى أن أتى إليهم باص وأخذهم إلى وجهة لا يعلمونها، ومن خلال معالم الطريق والحديث مع السائق تبين أنَّ الشرطة التركية أعادتهم إلى مدينة إسطنبول.

نهر إفروس… العبور القاتل
تتطابق الشهادات التي حصلنا عليها خلال رحلتنا مع مجموعة اللاجئين في الباص إلى الحدود التركية اليونانية مع شهاداتٍ وثقناها في الأيام الثلاثة التي سبقت الرحلة. هناك في حديقة “مراد باشا” مقابل مترو أكسراي وسط إسطنبول قابلنا عشرات القادمين إلى اسطنبول من ولايات أخرى في طريقهم للانتقال إلى أدرنة، وكذلك ممن حاولوا مرة أو أكثر من أجل العبور إلى اليونان وفشلوا أو وصلوا إلى هناك ومن ثم اعتقلتهم الشرطة اليونانية وأعادتهم بالقوة إلى الأراضي التركية.
علي أبو الذهب (30 عاماً) لاجئ سوري من دمشق، كان من بين من التقيناهم في حديقة مراد باشا، وهو يعمل في صناعة السقوف الثانوية. أخبرنا أنه جاء من ولاية أضنة (935كم جنوب شرق إسطنبول) فور سماعه بخبر فتح الحدود، بعد أن باعَ كل ما يملكه هناك لتدبيرِ أجر “رحلة الحلم”.
استغرقته المسافة من أضنة إلى إسطنبول 11 ساعة في الباص. توجه علي مباشرة إلى منطقة أكسراي وركب مع مجموعة من اللاجئين أحد الباصات باتجاه أدرنة على الحدود التركية اليونانية.
يقول: “قبل أن نصل إلى المنطقة التي اتفقنا عليها مع صاحب الباص والانطلاق منها لإكمال بقية الطريق مشياً إلى معبر بازاركولي، أنزلنا سائق الباص عند نقطة بعيدة رافضاً المواصلة بحجة وجود الشرطة التركية عند نقطة قريبة، نزلنا هناك لكن ما لبثت أن جاءت الشرطة التركية وأخذتنا في باص آخر إلى منطقة نائية بعد أن قطعت بنا الطرق في الغابات الوعرة”.
يواصل علي سرد قصته: “هناك وجدنا قرابة 500 لاجئ ينتظرون عبور نهر ميرچ، طلبت الشرطة التركية أن ننتظر حتى حلول الظلام لعبور النهر، كيلا ترانا الشرطة اليونانية، وبالفعل انتظرنا حتى حلول الظلام ثم عبرنا النهر سباحةً إلى الضفة اليونانية، وهناك تفرّقت المجموعة الكبيرة إلى مجموعات أصغر مكونة من 5 إلى 10 أشخاص، وواصلنا السير باتجاهات مختلفة في الغابات اليونانية”.
واجه علي المصير ذاته الذي واجهه مَن عَبَر قبله إلى اليونان، فبعد أن وصل مع المجموعة التي كانت معه إلى إحدى القرى اليونانية، أبلغ أهل القرية الشرطة وجاءت على الفور وألقت القبض عليهم: “أخذوا كل ما نملك من نقود وأجهزة موبايل وأوراق ثبوتية وجوازات سفر، وضربونا بقوة ثم أخذونا إلى كرفان بعيد، بقينا فيه لعدة ساعات بعد أن جردونا من ملابسنا، ومن ثم نقلونا في سيارات الشرطة إلى النهر، وأرغمونا على العودة مرة أخرى إلى الأراضي التركية”.
“بعد أن اعتقلتنا الشرطة اليونانية أخذتنا إلى النهر وألقتنا فيه، كان معنا طفل صغير مات. ألقوا علينا قنابل غاز مسيل للدموع، والناس بدأت بالهروب بالكاد يستطيعون حمل أطفالهم، كان معنا أحد الأشخاص لم يكن يعرف السباحة”… شهادات خاصة من رحلة العبور القاسية بين تركيا واليونان
بعد ساعات من المشي والتعب، وصل علي ورفاقه إلى إحدى القرى التركية التي زودهم سكانها بالثياب وقدموا لهم الطعام وساعدوهم في الوصول إلى أدرنة، ومن هناك عادوا إلى إسطنبول منهكين بعد محاولة فاشلة، خسروا فيها نقودهم وكذلك هواتفهم التي كسرتها الشرطة اليونانية ومزقت أوراقهم الثبوتية.

كابوس العبور إلى اليونان
في أكسراي في مدينة إسطنبول، قابلنا عبد الفتاح ملقي (17 عاماً) وهو لاجئٌ من مدينة حلب، نزح من سوريا عام 2015، وكان بين الذين عبروا إلى الجانب اليوناني وتعرض للحجز والضرب وأُعيد قسراً إلى تركيا.
يروي عبد الفتاح تجربته: “أوقفتنا الشرطة اليونانية، بعد أن مشينا في عمق الأراضي اليونانية مسافة 10 كيلومترات، واعتقلتنا في إحدى القرى وبدأ عناصرها بضربنا، وأنا تعرضت للإصابة في قدمي، وكذلك جردونا من ثيابنا ونقودنا… لقد أخذوا مني جهاز الموبايل و200 دولار كانت كل ما أملكه”.
يضيف عبد الفتاح: “بعد أن اعتقلتنا الشرطة اليونانية أخذتنا إلى النهر وألقتنا فيه، كان معنا طفل صغير مات… ألقوا علينا قنابل غاز مسيل للدموع، والناس بدأت بالهروب بالكاد يستطيعون حمل أطفالهم، كان معنا أحد الأشخاص لم يكن يعرف السباحة، وعندما بدأ بالغرق حاولنا إنقاذه وسحبناه إلى الأرض، فأعادت الشرطة اليونانية إلقاء قنابل الغاز علينا، لم نكن حينها نرتدي ثيابنا”.
يكمل سرد ما حصل معه: “وصلنا إلى إحدى القرى التركية فأعطونا ثياباً وقررنا العودة لكن سائقي الباصات الكبيرة هناك استغلونا، طلبوا منا مبالغ كبيرة لإيصالنا سواء عندما ذهبنا إلى أدرنة أو عند عودتنا إلى إسطنبول، لقد طلبوا مني 150 ليرة، فعلوا ذلك مع 9 أشخاص كانوا معي”.
يتحدث عبد الفتاح عن أربعة أتراك كانوا مع مجموعته في رحلة اللجوء، وأيضاً أشخاص من الجزائر وفلسطين، وحدثنا أيضاً عن نيته بالرجوع مرة أخرى، فهو سيحاول دخول أوروبا مجدداً: “هنا في تركيا الوضع صعب جداً، لا أستطيع احتمال الطريقة التي أعيش فيها، أعمل منذ أن نزحت من حلب إلى إسطنبول في مطعم شاورما، وصاحب المطعم يعاملني بطريقة جيدة، لكنني لا أفعل أي شيء غير العمل، أعمل من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل، وهذا متعب جداً، أريد حياة أفضل من هذه”.
تختلف جنسيات اللاجئين هنا في تركيا، لكن تتشابه رحلة لجوئهم في كونها حلماً تحول إلى كابوس.
يونس محي الدين عبد القادر (32 عاماً) هو لاجئ عراقي من مدينة الموصل، غادر البلاد عام 2016 وتنقل في رحلة نزوحه إلى أماكن كثيرة حتى استقر في إسطنبول، ومنها بدأ يجرب حظه في العبور إلى أوروبا.
يونس الآن بلا أوراق ثبوتية، كحال الكثيرين ممن عبروا إلى اليونان: “عندما عبرت اعتقلني الجيش اليوناني، وأخذوا جنسيتي العراقية، وهاتفي ونقودي، لم يتركوا معي شيئاً، حتى ملابسي أخذوها، لقد اعتقلوني على الحدود وضربوني وأعادوني إلى تركيا… لا يسمحون لأحد بالعبور”.
يؤكد يونس أن الشرطة اليونانية تتعامل بعنف مع اللاجئين: “يضربون النساء والأطفال، ضربونا بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص، من أجل منعنا من المرور، بقينا هناك لعدة أيام بلا طعام، لقد عاملونا بطريقة سيئة، ورمونا في النهر”.
جاء يونس من ولاية جوروم (626 كيلومتراً شرقي إسطنبول) الواقعة في الشمال التركي، ويقول عن قراره بالقدوم إلى إسطنبول: “عندما سمعت أن الحدود فُتحت للهجرة جئت إلى إسطنبول، الأتراك يساعدوننا على العبور، لكن في اليونان ضربونا وأخذوا مقتنياتنا وأعادونا مرة أخرى إلى تركيا”.
سألنا عبد القادر عن سبب هجرته من العراق فقال: “الجميع يعرف أوضاع العراق، نتخلص من وضع حرج ندخل في وضع أسوأ، حادثة غرق العبارة في الموصل ذهب ضحيتها 500 إنسان، والآن التظاهرات… ماذا أفعل بالعراق؟ لقد هُجرت إلى عدة مناطق قبل الوصول إلى تركيا”.

معبر بازاركولي… إنه البداية فقط
قبل أن تبدأ الشرطة التركية بمنع تدفق اللاجئين إلى معبر بازاركولي الحدودي مع اليونان، استطاع عشرات الآلاف منهم الدخول إلى هناك في الأيام الأولى التي تلت إعلان تركيا أنها ستكف عن إبقائهم على أراضيها وفقاً للاتفاق الذي أبرمته مع الاتحاد الأوروبي عام 2016، مقابل مساعدات مالية قيمتها ستة مليارات يورو.
وصول اللاجئين إلى معبر بازاركولي، وسلوكهم طرقاً بعيدة ووعرة من أجل ذلك ليس إلا نقطة البداية لأيام طويلةٍ من الترقب والانتظار في العراء والبرد الشديد، فدول الاتحاد الأوروبي قررت إبقاء الحدود مغلقةً متهمةً تركيا بالإخلال بتعهداتها بمنع تدفق اللاجئين عبر بوابات اليونان.
لا توجد إحصائية موثقة عن أعداد اللاجئين العالقين على الحدود التركية اليونانية، لكن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو قال في السابع من آذار إن عدد المهاجرين الذين دخلوا اليونان تجاوز 143 ألف شخص، مضيفاً أن التدفقات الحالية للمهاجرين “مجرد بداية” وأن العدد سيرتفع بشكل كبير.
الاتحاد الأوروبي من جانبه أعلن عن إحصائية جزئية، وأكد في خبر نقلته وكالة “رويترز” وجود 42 ألف مهاجر تقطعت بهم السبل على الجزر اليونانية بينهم نحو 5500 طفل دون مرافقين، أبدت ألمانيا استعدادها لاستقبال 1500 قاصر منهم.
يتوزع اللاجئون في معبر بازاركولي على جنسيات مختلفة، تغلب عليها الجنسيات الأفغانية والباكستانية، إلى جانب لاجئين من بلدانٍ إفريقية مثل الصومال والمغرب والجزائر وليبيا، بالإضافة إلى اللاجئين العراقيين والسوريين الذين يشكلون النسبة الأقل بحسب المشاهدات عند المعبر.
تمنع السلطات التركية وسائل الإعلام من الدخول إلى البوابة الرئيسية لمعبر بازاركولي والتي تمثل نقطة التجمع الرئيسية للاجئين. لكننا استطعنا التواصل مع ستة أشخاص (لاجئين) داخل المعبر، وكذلك مع اثنين ممن رافقناهم في الباص في المرة الأولى بعد أن نجحا في المحاولة الثانية من الدخول إلى المعبر عن طريق مهربين أتراك.
حسين أبو علي (32 عاماً) لاجئ فلسطيني من مخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق، انتهى به الحال -بعد سبع سنوات من رحلات النزوح- في معبر بازاركولي، وصل إلى هناك في المحاولة الثانية، وهو الآن ينتظر متشبثاً بخيط الأمل الرفيع الذي قد يوصله إلى أوروبا.
حدثنا أبو علي عن الوضع الإنساني في معبر بازاركولي: “الأوضاع هنا سيئة للغاية، الطوابير البشرية على الطعام على امتداد البصر، من يقف على الطابور في الساعة الثامنة صباحاً قد لا يستطيع الحصول على ساندويش قبل التاسعة ليلاً، هنالك الآلاف من النساء والأطفال والشباب يقفون على بعد عدة كيلومترات من أجل الحصول على لقمة تساعدهم على تحمل الانتظار”.
بالإضافة إلى قلة المؤن والطعام، يواجه اللاجئون في المعبر تحدٍ مع البرد والعراء، فغالبيتهم لا يملك حتى خيمة صغيرة تؤيه في الليالي الباردة. يقول أبو علي: “لا خيار أمامنا سوى الانتظار… لم نصل إلى هنا لنرجع، حتى وإن تأخر فتح المعبر من جهة الحدود اليونانية فإننا باقون مع أملٍ بانتهاء مأساتنا، منذ سنوات طويلة ونحن ننتظر، لم يبق إلا القليل إن شاء الله ونعبر إلى أوروبا”.
لم يكن الانتظار الطويل في العراء والبرد القارس بحسابات أغلب اللاجئين الذي استطاعوا الوصول إلى بازاركولي، كل ما كانوا يحتاطون من أجله هو مشقّة المشي والمسافات الطويلة التي تنتظرهم نحو الدول التي ينشدونها في أوروبا، لذا فقد وصلت الدفعات الأولى من اللاجئين بحمولةٍ خفيفة من الثياب والأغراض الأساسية.
أزمة أخرى تتفاقم في المعبر، تتمثل بكثرة اللاجئين الذين عبروا نهر ميرچ واعتقلتهم الشرطة اليونانية، وعذبتهم وسلبتهم كل ما لديهم من وثائق شخصية وهواتف وأموال وأغراض شخصية، ما يجعلهم مضطرين للبقاء عند المعبر، إذ لم يعد بإمكانهم العودة لمناطقهم التي كانوا يعيشون فيها، ولا حتى تحمل عبء الحياة اليومية لهم ولعائلاتهم.
أنس صلاح الهايس (38 عاماً) من أوائل اللاجئين الواصلين إلى معبر بازار كولي، يقول في شهادته لنا عن الأوضاع الإنسانية هناك: “بعض اللاجئين في المعبر استطاع شراء ′النايلون′ أو الشوادر كما تُسمّى باللهجة السورية ليبنوا فيها ما يشبه الخيم التي لا تدرأُ من بردٍ ومطر، كما أن بعض اللاجئين يستطيعون التسلل من المعبر عبر طرق باتوا يعرفونها إلى القرى المجاورة لتهريب المواد الغذائية والحاجيات الأساسية الضرورية للبقاء على قيد الحياة”.
تحدث صلاح أيضاً عن استغلال القرى التركية المجاورة لحاجة اللاجئين لتلك المواد، لذا يرفعون أسعارها: “بيعت مشّمعات الخيم بـ100 ليرة تركية، بينما تبلغ أسعارها الأصلية 20 ليرة تركية في المدينة”.
شهادة صلاح تعززها شهادة اللاجئ السوري محمود الرشواني (40 عاماً) الذي أكد بدوره استغلال القرى التركية القريبة للاجئين: “علبة الكولا التي يستخدمها اللاجئون للوقاية من الغازات المسيلة للدموع التي يطلقها حرس الحدود اليوناني ارتفع سعرها من 6 ليرات إلى 18 ليرة، وإن أردنا شراء علبة الكولا فعلينا قطع مسافة خمسة كيلومترات ذهاباً وخمسة أخرى إياباً مشياً على الأقدام وعبر طرق التهريب”.
أما اللاجئ محمد الحموي (23 عاماً) فتحدث لنا عن خطورة الطريق الذي يسلكه اللاجئون من أجل تهريب المواد الغذائية والحاجيات الأساسية إلى داخل المعبر: “في إحدى المرات تعرّض 4 أشخاص من مجموعتنا إلى السلب عندما كانوا يحاولون تهريب بعض المواد الغذائية إلى داخل المخيم، لقد خسروا كل ما كانوا يحملونه من أموالٍ وأجهزة موبايل، وعادوا إلى المعبر بثيابهم فقط”.
يزن الحلاق (25 عاماً) يصف الأوضاع الإنسانية في معبر بازاركولي بالمأساوية: “لا نتمكّن من النوم أبداً، البرد والرطوبة هنا غير طبيعيين. وُزّعت الأغطية على المقيمين في المعبر، لكنّها غير كافية للدفء. نجمع الحطب ونكسّره من أجل إشعال النيران في الليل. في البداية كان باستطاعة البعض توفير المواد الغذائية الرئيسية للتجمع، لكن يوماً بعد يوم يصبح توفير الطعام أصعب. بدأ اللاجئون باستهلاك المواد الغذائية الرئيسية التي يحتفظون بها لرحلتهم داخل اليونان”.
ويؤكد الحلاق على شحّ المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات المختصة: “أقف يومياً لمدة 4 ساعات بالأقل على طابور الطعام، وحين يأتي دوري أحصل على بسكويت وعبوة ماء وربما يرافق ذلك القليل من الشوربة أو قطعة خبز أو قد لا أحصل على ذلك كله”.

اللاجئون في مواجهة قنابل الغاز المسيل للدموع
الفيديوهات الليلية التي وصلتنا من اللاجئين في معبر بازاركولي تظهر حالة الهلع التي يعيشونها بسبب إطلاق الشرطة اليونانية لقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، فحالات الاختناق هناك يتعرض لها جميع اللاجئين الذين يحتشدون بالقرب من البوابات اليونانية بسبب اتساع رقعة المساحة المستهدفة بتلك القنابل.
وصل محمود الرشواني إلى معبر بازاركولي يوم الأحد الاول من آذار/ مارس أي بعد يومين فقط على فتح السلطات التركية حدودها المشتركة مع اليونان أمام اللاجئين، ويتحدث الرشواني عن انتشار الأخبار بين اللاجئين الواصلين إلى هناك التي تفيد بأن اليونان لن تفتح حدودها لهم وسيظلون عالقين هناك، لذا لجأوا إلى خطوة قد تلفت الانتباه لقضيتهم تمثلت بالتظاهر أمام البوابات اليونانية.
يقول محمود: “بدأ اللاجئون بتنظيم تظاهرات واعتصامات شاركت بها العائلات وبخاصة النساء والأطفال، ورفعوا لافتاتٍ تعبّر عن مطالباتهم بفتحِ الحدود والنظر في أوضاعهم، وكانت بعض اللافتات مكتوبة بلغة إنكليزية”، مضيفاً: “حاولنا أن نجعل أحد الأطفال يحمل وردةً ويتقدّم ليهديها لأحد أفراد الشرطة اليونانية تعبيراً عن نوايانا السلمية، لكن تمّ منعنا ذلك”.
يصف محمود ما حدث بعد ذلك: “في الليلة التالية للاعتصامات (الرابع من آذار/مارس)، قرابة الساعة الواحدة ليلاً، بدأت الشرطة اليونانية بإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع على اللاجئين رغم أن الممر الأقرب للبوابة اليونانية كان فارغاً آنذاك ولم تحصل أية حالة تهجّم من اللاجئين المعتصمين في الخيم”.
بموازاة ذلك، يؤكد محمود على حدوث الكثير من حالات الاختناق بين الأطفال والنساء والرجال، فيما جرى نقل بعضهم إلى المراكز الطبية في القرى المجاورة أو للمستشفيات البعيدة كما حدث معه شخصياً حيث ساءت حالته الصحية بعد خمسة أيام من تغطيته للأحداث في المعبر.
“بدأت أشعر بآلام قوية في صدري، وعندما ذهبت إلى الوحدة الطبية التركية في المعبر أخبرني الأطباء بضرورة تلقي العلاج في المستشفى والحصول على فترة نقاهة لازمة من أجل التخلص من آثار دخان قنابل الغاز”.
اضطرّ محمود إلى الخروج من معبر بازاركولي مساء السبت 7/3/2020 لتلقي العلاج في مدينة إسطنبول، وقد شخَّص الطبيب إصابته بالتهاب القصبات، وتحدث لنا عن معاناته من السعال الشديد المصحوب بالدم في اليومين الأخيرين. مع ذلك، فهو يشعر بالأسف لاضطراره إلى ترك معارفه ورفاقه في المعبر بعد أكثر من 7 أيامٍ من الصمود هناك.

حين تواصلنا مع اللاجئ السوري أنس صلاح الهايس الساعة التاسعة مساءً من يوم السبت السابع من آذار، تخللت المكالمة الهاتفية أصوات الرصاص والضرب مصحوبةً بهتافات متكررة للاجئين مع الصفير ونداءات مؤيدة لتركيا.
وصل أنس مع عائلته وطفلتِه ذات السنتين إلى معبر بازاركولي منذ يوم الجمعة 28 شباط/ فبراير منطلقاً بسيارةٍ خاصة من أكسراي/إسطنبول إلى أدرنة، ومشى مع عائلته مسافة خمسة كيلومترات حتى وصل إلى المعبر.
يقول عن تجربته مع قنابل الغاز المسيل للدموع: “نصبنا مشمّع النايلون الذي لا يكاد يرتقي لوصف خيمةٍ أو شادر على هيئة مجسم مثلث ليحاكي شكل الخيمة على بعد 800 متر من البوابة اليونانية، وبالرغم من ذلك فقد تعرّضت ابنتي الصغيرة في يوم الخميس، الخامس من آذار/ مارس للهواء المحمّل بدخان قنابل الغاز المسيل للدموع، ما تسبب باختناقها، سارعنا بإسعافها بمشروب Coca-Cola والاستعانة بإشعال النار، إذ أن دخان النار أهون علينا من قنابل الغاز اليونانية، وهو شيء تلجأ إليه العائلات في المخيم”.
يتحدث أنس أيضاً عن رؤيته لقرابة 20 لاجئاً أُصيبوا بالرصاص المطاطي الذي تطلقه شرطة الحدود اليونانية: “عندما تقع إصابات بليغة في صفوف اللاجئين تُنقل بصورة عاجلة إلى المشافي التركية حيث تتم معالجتهم وتخييرهم بعدها بالعودة إلى المعبر أو الذهاب إلى إسطنبول، لكن الكثيرين منهم يختارون العودة إلى المعبر”.
في إسطنبول وتحديداً في منطقة أكسراي، كنا ننتظر في منطقة تجمع اللاجئين (حديقة مراد باشا) إلى حين امتلاء الباص باللاجئين للتحرك باتجاه الحدود التركية اليونانية، وفي تلك الأثناء وصلت سيارة صغيرة تقل مجموعة من اللاجئين، وبينما كانوا منهمكين في إنزال حقائبهم توجهنا نحوهم وسألناهم عن وجهتهم فأجابونا أنهم وصلوا للتو من الحدود.
“كل الحدود مغلقة أمامنا وأبواب أوروبا موصدة، حكومات المنطقة تتلاعب بنا وتستخدمنا كأوراق ضغط لسياساتها… دائما ندفع نحن الثمن”.
من بين تلك المجموعة كان علي الرفاعي (24 عاماً)، وهو لاجئ ومهندس ميكانيك سوري من مدينة الرقة. حدثنا علي عن تجربته في بازاركولي: “قوات الأمن اليونانية كانت تفتح مدافع المياه أمام أيّ شخص يحاول الاقتراب من المعبر. تعرضنا للضرب بالرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع”.
يضيف علي:”كان معنا أطفال ورُضَع ضمن المجموعة رغم ذلك تعرضنا للاستهداف بالغازات.. طفل في السابعة تعرض لاختناق شديد جراء الدخان…أكثر من نصف المجموعة التي كانت معي عادت بسبب تعبنا ويأسنا”.
وسط تلك الظروف قرر علي العودة “فقدت الأمل بفتح الحدود، لو كانت هنالك احتمالية لفتح الحدود لحدث ذلك في اليومين الأخيرين حين كانت الحشود كبيرة ووقعت مواجهات، لا أعتقد بحصول ما هو أقوى من المجابهات الأخيرة… الوضع مأساوي عند الحدود”.
اللاجئ جمال حسن (34 عاماً) الكردي السوري القادم من القامشلي، والمقيم منذ عامين في اسطنبول، يقول وهو يرمي حقيبته على الأرض ويَهمُ بالنزول من عربة صغيرة أعادته إلى إسطنبول بعد أسبوع من المحاولات الفاشلة على الحدود اليونانية: “نقتل ونضرب على الحدود السورية التركية، ونقتل ونضرب على الحدود التركية اليونانية”.
ويضيف موجهاً كلامه لشاب كان يطالعه وهو يجلس على حافة الرصيف: “كل الحدود مغلقة أمامنا وأبواب أوروبا موصدة، حكومات المنطقة تتلاعب بنا وتستخدمنا كأوراق ضغط لسياساتها… دائما ندفع نحن الثمن”.
على عكس علي وجمال، هنالك عشرات الآلاف من اللاجئين ما يزالون يتشبثون بالأمل عند معبر بازاركولي، بانتظار ما ستسفر عنه مباحثات الاتحاد الأوروبي مع تركيا التي أعلنت في العاشر من آذار/مارس أن الاتفاق الذي أبرمته عام 2016 بحاجة للتحديث على ضوء الأزمة في شمال سوريا، مؤكدة استمرار إبقاء حدودها مفتوحة نحو أوروبا.
أُنجز هذا التحقيق بدعم من الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية “نيريج”.