لن أعترف قصة: بيهزاد قادرى
-أكتبْ. أكتب ملخصا لسيرة حياتك.
أمرني بالفارسية. في حجرة مربعة صغيرة طول أضلاعها ثلاثة أمتار. بيننا ثمة منضدة. كرسيه أعلى من كرسيي بثلاثين سنتيمترا. كانت نظرات عينه تتفرس فيّ من الأعلى الى الأسفل. عبء نظراته امتزج بعبء الغرفة الضيقة فصرت أشعر بوطأتيهما على كاهلي. كان مستغرقا في استعراض هيأتي ويتفحصني من قمة رأسي حتى أقدامي. حدقتا عينيه كانتا ثابتتين مثل حجرين ثقيلين، بينما حدقتا عيني لا يقر لهما قرار مثل زغابة في مهب الريح. تمنيت أن أستحيل ماءً كي أغور في عروق الأرض أو أصير بخارا وأعبر من خلال شق الباب أو أندس كما العنكبوت في زاوية الطاق وأخرج في لمح البصر. أنا، هو، هو، أنا. كرسي لا أستطيع الفكاك منه. نظرة لا تبارحني. صمت ينغرس مثل أبرة في أذني..
أكتب. في أي عام ولدت وأين. المدارس التي درست فيها. أها! وبماذا انشغلتَ في الصيف. أكتب هذا أيضا. هذا هذا الصيف بالتحديد.
هذا الصيف؟! نعم هذا الصيف.ما كنت أعرف أن ابتلاع الريق أمر صعب لهذا الحد! في تلك اللحظة لم يكن ابتلاع شطيرة من الدبابيس أصعب من ذلك. تاريخ ميلادي؟ لقد نسيته! متى جئت الى الدنيا؟ ما هو ذلك الرقم اللعين؟ 12-28.. 28؟ شهر 28؟! هل يجوز هذا؟! وهل ثمة سنة من 28 شهرا؟! الأشهر اختلطت علي. ما حاجتهم لكتابة تاريخ ميلادي وهم يعرفونه أفضل مني؟ سؤال أحمق. أكتب. أكتب سنة ميلادك ومكانه. المدارس التي تعلمت فيها. أها! وفيمَ انشغلت هذا الصيف؟ أكتب هذا أيضا. هذا الصيف بالذات. كلما بلغت الصيف أصفررت كما العشب اليبيس. ابتلعت شطيرة الأبر. كنت جالسا على الكرسي لكنني أشعر بثقله كما لو أنني أرزح تحته. القلم في يده. ينظر الي ويكتب. وأنا أكتب، ومع كل كلمة أكتبها تنهال على ذهني آلاف الكلمات والذكريات. كان قلبي مثقلا بالهموم.
تمام؟ ناولني إياها. امسك هذه الورقة. إملأها. هيا تحرك. استعجل.
كانت ورقة واحدة. السطور متداخلة حتى لم أعد أستطيع تمييزها وأكتب فوقها. سطر؟! أي سطر؟! إنها صفحة ناصعة البياض. في أعلاها سؤال واحد لا غير (أكتب بدقة وتفصيل ما كنت منشغلا به هذا الصيف) كان صيفا بالغ الحرارة. كان منشغلا بإحراقي. أضلاعي تقطعت. لا أعرف حتام تمسك بقلبي. في الصيف: كنت أعمل. كنت منشغلا بتعاستي وسوء حظي. لماذا لا تتنزه في الصيف؟من رأني في الصيف؟ أي قواد فعل معي هذه القِوادة؟ لا أحد. نعم. لم يعرف أحد. ألا فلينفجر قلبك. علامَ زعيقك؟ لا أحد. ابحث بنفسك. لا تضيع حالك. قلها من القلب. من حدقة عينك. قل كذبا. أكتب كذبا. أكتب كل ما قلته شفاها في البداية؟ أكمل أقوالك في بضع جمل. لا تكثر الحديث. لُذ بالكلمات واستنجد بها. استنجد بها، إلوِ الأقوال. لكن! لكن أوجههم شاحبة، غابت ألوانها وتجمدت كمن أصابه مس فلا يزحزحها شيء عن سكونها! انظر لهم! كم نخسونا ساخرين متبجحين حتى أصيبوا بالهلع فلم يعودوا يميزون الصح من الغلط! لا تكثر الحديث. فكر بتلك الغرفة حيث تعصر وتذبل. ولكنني! ولكنني بانتظار انتفاضتهم، حيث نحرق الاخضر مع اليابس..
أأنت غبي أم تحسبني غبيا؟!
أغوص بقوة في حضن الكرسي. يصفعني الضابط ويجعل الماء يثب الى دماغي؟ يشرع الجرس في عقلي بالحركة. يزداد وجيب قلبي ويخرج الزمن عن مساقه، كشأن لساني، كشأن نظراتي وكلماتي. لن أعترف. أبدا لن أعترف…
لن تعترف؟ لن تعترف أبدا؟ أها! ثمة شيء إذن لا تريد الاعتراف به. أما أن أن تعترف بكل حرف، أو أن تعترف. لا مفر لكمن الاعتراف. كل خرا. أسرع. لا تتوقف!
هل يعني هذا أنه سمع كل ما قلته بيني وبين نفسي؟! أيعني هذا بأنها خانتني هي الأخرى؟! كيف خرجت تلك الجملة من دماغي؟! لا. لا. لقد كانا متواطئين من البداية. لقد خانتني. باعتني. باعتني…
وهوت الصفعات على رأسه مثل المطر.. وباع نفسه!
ت: م.ح