طبق الأصل يشبه للصدق !
ماجد الحيدر
تصورات البسطاء عن الكون بسيطة مثلهم. عوالمهم محدودة بحدود معرفتهم وما سمعوه من آبائهم وأجدادهم ومن حولهم من “مصادر معلومات” وأولهم طبعاً هم رجال المعبد الذين يحتكرون، كما يزعمون، معارف الدنيا والآخرة. كان هذا هو الحال لعشرات القرون وبخاصة في المناطق البعيدة عن مراكز العلم والحضارة
وليس غريبا (رغم أنه مؤسف للغاية) ان الحال ما يزال، رغم تبدل الأجيال، يدور على هذا المنوال! وليت الأمر يتوقف على البسطاء و”الجهلة” ممن رزقوا بحظ قليل من العلم والتعليم. بل إن الكثير ممن يحمل أرقى الدرجات العلمية حتى وصل درجة الاستاذية (بروفيسور) يتسابق للظهور في المعابد في الصف الاول لكي يستمع وهو يفتح شدقيه ذهولا الى خطبة يلقيها أحد الملالي أو الشيوخ أو الكهان القادمين من القرون الوسطى يتحدث فيها عن فسيولوجيا الجسم البشري مستندا الى نظرية الأخلاط الأربعة أو يفند كما يزعم نظريات التطور وهو لم يسمع في حياته عن شيء اسمه الجين والكروموسوم أو الطفرة الوراثية (التي ربما ظنها نوعا من الفرار من التقسيم الشرعي للميراث) أو يؤكد بما لا يقبل الشك أن الأرض مسطحة مثل صينية الثريد أو أنها (في حالة التنازل والاعتراف بكرويتها) تقف على قرن ثور أو ظهر حوت أو كرش مسؤول كبير!
أمثال هؤلاء ربما كان من حقهم أن يتحدثوا في مجال “اختصاصهم الدقيق” رغم أن هذا الأخير صار متاحا بالمجان لكل من أراد بضغطة على زر بحث العلامة المجتهد حاوي علوم الأولين والآخرين الشيخ غوغل طال ظله! لكن العجب العجاب هو جرأتهم (لكي لا أقول وقاحتهم) في الإفتاء في أمور لا دخل لهم بها من فيزياء وكيمياء وأحياء وهندسة إقليدية ومعمارية ووراثية وفضائية وغيرها ممن يسمى المتبحرون بها في العالم المتحضر بالعلماء (العلماء من صدج!) والأعجب من هذا قدرتهم على تحريك مشاعر الناس ودفعهم الى أقصى درجات التعصب والعنف والكراهية.
غير أن ما يجعل سوق هؤلاء نافقة وبضاعتهم رائجة هو وجود الملايين من معطلي العقل (رغم حملهم للشهادات) ممن (يتعاجزون) عن تشغيل هبة التفكير ويتنازلون عنها عن طيب خاطر لكي يفكر الكاهن بدلا عنهم دون أن يعتريهم ولو للحظة واحدة أن الكثير ممن هؤلاء الكهنة والوعاظ ليسوا، في أحسن الأحوال، غير حواة وممثلين من الدرجة العاشرة، وأن أغلبهم يتكشفون عند امتحانهم عن هزال شديد وفقر دم مميت في معلوماتهم العامة (وحتى الدينية)
لكن الجيد في الأمر أن بعضاً آخر من البشر (لا أعرف عددهم أو نسبتهم بالضبط) يملكون من الذكاء والفطرة السليمة ما يجعلهم يفرقون بسهولة بين العالم والمتعالم، وبين الغث والسمين، حتى دون حصولهم على عشر معشار تلك الشهادات التي يحملها بعض الأكاديميين الأميين!
ومرة قبل سنوات طوال، أيام الحرب العراقية الايرانية كنت أراقب أحد المتفيترين (جمع متفيتر وهو الذي يدعي بأنه فيتر أي مصلح سيارات) وهو يحاول عبثا تصليح عطل أصاب محرك إحدى سيارات “الواز” في وحدتنا فيما وقف أحدى الجنود الظرفاء قريبا منا وهو يهز يده ويبتسم. وحين سألته عما يضحكه أجاب: أضحك على هذا الفويتر.. يشبه للصدج!