طبق الأصل لماذا ضحك علي الرفيق كاكه علي؟
ماجد الحيدر
ردة الفعل الأولى عندما تشعر بأن إنسانا ما يسخر منك ويضحك عليك في سره أو علنه هي الغضب، هي محاولة الثأر لكرامتك ورد الصاع صاعين. أحسب أن هذا شعور طبيعي عند أغلب الأسوياء، وأحسب كذلك أن تذكر حدث كهذا يثير عندك شعورا مزعجا لا يزول مع تقادم العهد.
غير أن ضحكة الرفيق كاكه علي في تلك الظهيرة من منتصف التسعينات أثارت عندي وقتها شعورا بالفخر تحول شيئا فشيئا الى إحساس بالعجب لينتهي أخيرا بالإقرار بأنه لم يجانب الصواب وبأنني (وأمثالي من الحالمين الواهمين) نستحق السخرية والشماتة ومقولة “حيل وأبو زايد”.. ولكم الحكم بعد الحكاية:
الزمان كما أسلفت، منتصف التسعينات، أو ربما أواخرها، فكل الأيام كانت متشابهة برتابتها وقنوطها وامتلائها بالخوف والقهر. أما المكان فهو تلك المدينة من ديالى التي قضيت فيها ربع القرن الثاني من حياتي والتي توسعت خلال تلكم الأعوام من قصبة صغيرة وديعة تنام في أحضان بساتينها الى مدينة كبيرة صارت وجهة لسكن العسكريين والموظفين والموسرين من أبناء الأرياف المحيطة بها من جهة والفقراء القادمين من المدن القريبة التي تدهورت أحوالها بسبب تبعات الحروب ثم الحصار الخانق من جهة أخرى.
من بين أولئك الوافدين الجدد كان هناك عدد من “الرفاق” و “الرفيقات” من البعثيين الكورد الذين لفظتهم منطقهم الأصلية فقدموا الى هذه المدينة وارتموا في أحضان السلطة وتسلقوا الدرجات الحزبية والوظيفية فيها حتى صاروا أكثر ملكية من الملك.
أحدهم كان “الرفيق كاكه علي” كما درجوا على تسميته. كان في الحق رجلا ثلاثينيا مليح الوجه ومهذبا في حديثه وتصرفاته (أما تقاريره الحزبية فالله أعلم بها!) تعرفت عليه بالصدفة عندما راجعني كمريض ثم رأيته عدة مرات برفقة أحد زملاء المهنة (وكان على ما يبدو في نفس درجته الحزبية) وصادف أنهما قابلاني معا في السوق فسألني ذلك الجار:
– “شلونك أبو أوميد؟”
فما كان من الرفيق كاكه علي إلا أن يقف في مكانه ويفغر فاه ويسألني:
– “دكتور إنته كردي؟”
– “نعم”
– “واسم ابنك أوميد؟”
سألني بين الدهشة والاستنكار فأجبته:
– “نعم وعندي من الأولاد أيضا آزاد وشوان”
– “عجيب”
– “وما العجب؟”
– “ماذا يدعوك الى تسميتهم بهذه الأسماء الكردية؟”
– “أنا كردي ومن الطبيعي أن أعتز بذلك وأسمي أولادي بهذه الأسماء”
عندها بانت على وجهه ابتسامة سخرية لم يستطع تداركها وقال:
– “يا أخي أنته شكد غريب؟ شنو هالأسماء؟ إنته وين عايش؟!”
– “ما كو غرابة. وأنت.. ما أسماء أطفالك؟”
– “أنا” أجاب متباهيا “أسميت أطفالي صدام وعدي ورسالة ”
– “عاشت الأسامي!”
وغادرته وأنا أكاد أحس بنظرات الكراهية والسخرية وهي تلسع ظهري! لكنني أشعر، في الوقت نفسه، بالزهو لأنني لم أبع هويتي ومبادئي كما يفعل!
لكنني، لخيبتي، اكتشفت بعد سنوات قلائل من سقوط نظام صقر العوجة بأن زهوي ذاك لم يكن في محله، وبأن سخريته تلك كانت، على العكس، في محلها تماما! وكان ذلك عندما رأيت صورته، نعم صورة الرفيق كاكه علي لا غير، تتربع صفحة من جريدة كردستانية محلية وهو يتحدث اليها بصفته مناضلا كرديا عتيدا بل ومسؤولا مهما في القضاء الذي هرب منه في التسعينات!
وكان الرفيق كاك علي في الصورة تلك ضاحكا، وسيما كعادته، بل كان، والله، أكثر شباباً ونضارةً وثقة بالنفس!
عندها أيقنت بخطأي وندمت ولات ساعة مندم على ما فاتني وتطلعت الى الصورة من جديد وهتفت:
– “إضحك رفيق كاكه علي.. اضحك.. كل الأزمنة أزمنتكم، أنتم الأذكياء الحكماء الناجحين المتقلبين الذين لا تسقطون إلا على أقدامكم والعارفين من أين تؤكل الكتف.. إضحك رفيق كاكا علي.. خياركم في عهد صدام خياركم في عهد من بعده!