حكاية التكسي الذي انقلب بيكم*
ماجد الحيدر
الناس تقول امورا يفهمها كل حسب بيئته وخبراته وحتى جنسه، إذ يذهب أحد الشعراء (نسيت اسمه كالعادة لكنه فرنسي على الأرجح) الى أن الكلمات ومعانيها ومدلولاتها تختلف من الرجال الى النساء! ويضرب مثلا على ذلك أن جملة سأحبك الى الأبد (يكتبها الفيسبوكيون أحبكي) والتي يقولها الرجل للمرأة، عادة ما تفهمها النسوان على أنها تعني (سأحبك بشكل مستمر أو سأتفرغ لحبك) أي بالعامية العراقية (راح أبقه بلا شغل وعمل غير أحب بيج!)
كثيرا ما تكشف الكلمات والعبارات التي يستخدمها الناس خلفيتهم الثقافية والفكرية والسياسية، فإنك عندما تسمع أحد “الطيبين” وهو يستخدم مصطلح (شمال الوطن الحبيب) كي يتجنب ذكر اسم كردستان ستعلم على الفور أنه يكره الكرد كره العمى ويتمنى (كما كتب علنا أحد المو-ثقفين المو-حترمين) أن يعود علي كيمياوي كي يبيدهم عن بكرة أبيهم، وأنه يستخدم صفة (الحبيب) وهو يقصد شيئا آخر والله أعلم!
أما من يستخدم مصطلح (القطر العراقي) للإشارة الى العراق و (دمشق العروبة) للإشارة الى العاصمة السورية فهو في الأعم الغالب من جماعة الامة العربية الواحدة ذات رسالة خالدة!
في حين يكثر جماعة تعرفونها من مصطلح (الكيان الغاصب للقدس) للإشارة الى الدولة النووية الصغيرة التي يعاديها أغلب قادة العرب في العلن ويتوددون اليها في السر!
وعندما نقرأ عبارة (لترقد روحه في سلام) تعليقا على خبر وفاة أحدهم فاعلم بأن كاتبها من جماعة ريتشارد داوكنز و ستيفن هوكينج والعياذ بالله!
أما إذا سمعت كلاما خياليا غارقا في المثالية أو “طامسا” في الرومانسية ولا علاقة له بالواقع فأنت تشاهد بالتأكيد مسلسلا تلفزيونيا عراقيا! وهكذا دواليك!
سوء الفهم والتفاهم والتواصل الناتج عن استخدام لغة (تبدو في الظاهر مشتركة) قديم عند ذوي الرؤوس السوداء! وكثيرا ما تقع بسببه أحداث مبكية وعواقب “مصخمة”. ومن هذا القبيل ما يرويه كتاب الكامل في التاريخ عن حادثة اغتيال مالك بن نويرة (رض) بعد أسره في معسكر خالد بن الوليد (رض) إثر رفض الأول، كما قيل، دفع الزكاة في عهد أبي بكر الصديق (رض) إذ يقال (والعهدة على الكتاب المذكور) أن بعضا من جنود خالد قد (انكسرت قلوبهم) على الأسرى بسبب البرد القارس فأخبروا قائدهم أن الأسرى يرتعشون من البرد فأمر خالد مناديًا فنادى: “أدفئوا أسراكم”، وهي في لغة قبيلة كنانة تعني (اقتلوهم) فظن الجند المطيعون أنه أراد القتل في حين أنه لم يرد إلا الدفء فقتلوهم، فقتل ضرار بن الأزور (رض) مالك بن نويرة (رض). وتزوج خالد (رض) أم تميم امرأة مالك (رض)
لكن الأمر لا يخلو أحيانا من حوادث مضحكة من قبيل ما رواه لي صديق قديم من أنه ركب في إحدى باصات الريم (إن كنتم تتذكرونها) متوجها من بغداد الى العمارة ليدافع عن (الحدود الشرقية للوطن العربي) وحدث أن جلس أمامه شيخان يتبادلان أطراف الحديث فقال الأول:
– هاي شبيها رجلك مجبسة.
– والله زاير قبل اسبوع التكسي انـﮔلب بينا.
– يا ستار! التكسي انـﮕلب بيكم؟
– لا زاير ما ﭽان بيكم ﭽان تكسي.
– أدري بعد عمك أدري تكسي بس هو انـﮕلب بيكم؟
– هم ﮔال بيكم! أﮔولك تكسي تكسي موبيكم! ﭽا شلون التكسي ينـﮕلب بيكم؟!
ومعلوم أن اللهجة الجنوبية تنطق شبه الجملة من الجار والمجرور التي تكتب (بكم) في الفصيح، تنطقها (بيكم) بفتح الكاف، وهو (لسوء حظ الشيخين المتحاورين في باص الريم) نفس طريقة أهلنا هناك في الإشارة الى سيارة (النص نقل) التي يسمونها بالانكليزية (بيك أب) وشتان (أو ربما ثلاث شتات) بينها وبين التكسي!
أقول قولي هذا وأنا أسأل لكم حسن العاقبة وسلاسة التواصل وسهولة التعامل وأن يقيكم شر اللسان وعثراته والطريق ببيكماته وتكسياته!
• نقلاً عن جريدة صباح كوردستان العدد66 في 26/3/2017