بيان من المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على جلسات المحكمة الاتحادية العليا وبعد تأخير مقصود وغير مبرر قانونيا و دستوريا في إصدار القرار بحسم الدعوى المقامة للطعن في قانون انتخاب برلمان كوردستان-العراق رقم (1) لسنة 1992 المعدل، أصدرت المحكمة أخيرا قرارها بتاريخ 21 شباط 2024 حيث قامت بخرق الحقوق الدستورية لاقليم كوردستان ومبدأ فصل السلطات المثبت في الدستور، لذا رأينا أنه من الضروري أطلاع شعب كوردستان، من خلال هذا البيان، على الجوانب غير المحقه والظالمة الواردة في قرار المحكمة.
جماهير كوردستان الاعزاء
ان نضال شعب كوردستان على مدى قرن من الزمن، كان من اجل رفض الدكتاتورية والانتفاض على ظلم الحكومات المتعاقبة ونيل الحرية والحصول على حقوقه السياسية والديمقراطية المشروعة وفقا للمعاهدات والمواثيق الدولية، وهذا ما حدى بشعب كوردستان الى الانتفاض على الديكتاتورية عام 1991 حيث اثمرت تضحياتها بتحرير منطقة واسعة من ارض كوردستان العراق وتأسيس كيان سياسي قوامه السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، بعد ان دعى سيادة القائد مسعود البارزاني في ربيع نفس العام الى اجراء انتخابات حرة لتأسيس (برلمان كوردستان-العراق) كسلطة تشريعية انبثق عنها باقي السلطات السياسية في الاقليم، كي تحل الشرعية القانونية الديمقراطية محل الشرعية الثورية كموقف وطني لمستقبل العراق الديمقراطي، عند ذاك تبنى المجلس الوطني لكوردستان العراق النظام الفدرالي أساسا لتحديد شكل وطبيعة علاقة الاقليم ضمن اي نظام ديمقراطي وذلك لبناء عراق جديد.
وعلى اثر سقوط النظام الديكتاتوري في عام 2003 جاء تأسيس دستور العراق لسنة 2005 متوجا لتضحيات شعب العراق ومجسدا لاهدافه في الحرية والديمقراطية وتأسيس جمهورية اتحادية تصون وتضمن حقوق مكونات شعبه وكرامته، والتعامل معهم على اساس المساواة والمشاركة الفعلية في شتى مستويات الحكم والادارة. مما بعث الاطمئنان لشعب اقليم كوردستان وسلطته الشرعية للتضامن مع بقية قوى العراق السياسية الوطنية من اجل المساهمة الفاعلة في بناء العراق الجديد وتأسيس النظام الاتحادي، فانعكست تركيبته وسلطاته في الدستور، حيث نال اجماعا شعبيا عند الاستفتاء عليه قلما ناله دستور دولة اخرى عبر التاريخ حيث صوت عليه بالقبول نسبة 80% من المصوتين.
إلا ان ما لا يمكن التغاضي عنه ان بنود الدستور واحكامه تتعرض باستمرار للتجاهل لا بل للتجاوز والانتهاك من قبل بعض الاجهزة الاتحادية، والاخطر من ذلك كله ان تنتهك المحكمة الاتحادية العليا بنود الدستور واحكامه خلافا لمهامها الرئسية في ضمان تطبيق بنوده والدفاع عن النظام الاتحادي وترسيخه من خلال الحفاظ على سيادة الدستور والمحافظة على منظومة توزيع الصلاحيات والاختصاصات بموجب احكامه. حيث توالت قراراتها التي تشكل انتهاكا لمبدأ الفصل بين السلطات فقد وضعت نفسها مقام السلطتين التشريعية والتنفيذية، واناطت بنفسها من السلطات والصلاحيات مالم ينطه بها الدستور.
اضافة الى كل ذلك، فان المحكمة الاتحادية العليا سعت في قراراتها الاخيرة الى تقليص اختصاصات وصلاحيات سلطات الاقليم واتجهت بوضوح الى اضعاف مؤسساته وافساح المجال للسلطات الاتحادية بالتجاوز على الاختصاصات الدستورية للاقليم، في الوقت الذي اقر الدستور بشرعية سلطات الاقليم التشريعية والتنفيذية والقضائية بموجب المواد ( 117 و 121). واخيرا فإن قرار المحكمة بعدم دستورية بعض مواد قانون برلمان كوردستان- العراق، يبين أنها سمحت لنفسها بتعديل القانون المذكور، ويعد هذا عملا تشريعيا وليس قضائيا، مخالفة بذلك مبدأ الفصل بين السلطات الذي نصت عليه المادة (47) من الدستور.
وان قيام المحكمة الاتحادية العليا بتقليص عدد مقاعد البرلمان والغاء المقاعد المخصصة للمكونات وتقسيمها الاقليم الى مناطق انتخابية حسب رؤيتها من دون مبرر ومسوغ دستوري، يعتبر خرقا فاضحا للمبادئ الدستور الاساسية، لان قانون انتخاب برلمان كوردستان جرى العمل به مدة تزيد عن 30 سنة وتم اجراء خمس دورات انتخابية بموجبه واصبح الحجر الاساس للديمقراطية والتمثيل العادل لجميع المكونات والتوجهات والاراء المختلفة، بشكل اظهر الاقليم للمنطقة والعالم كمركز للديمقراطية والتعايش، من جانب اخر فان المحكمة وفي الفقرة الخامسة من حيثيات قرارها وفي عرضها لنظامي الدائرة الانتخابية الواحدة والدوائر الانتخابية المتعددة، لم تستطيع اثبات عدم دستورية نظام الدائرة الواحدة المتبع في الاقليم بل على عكس ذلك اشارت وبوضوح الى ان نظام الدائرة الواحدة له جوانب ايجابية وقوية مع وجود جوانب سلبية له، وهذا ما يلاحظ في نظام الدوائر المتعددة من وجود جوانب ايجابية وسلبية فيه ايضا، ولكن الامر لا يصل قطعا الى درجة عدم دستوريتها ويبقى الامر خاضعا لتقيم السلطة التشريعية، كما حدث الامر من قبل في انتخابات المجلس النواب العراقي، حيث رأينا ان قانون الانتخاب في البداية كان يعتمد الدائرة الانتخابية الواحدة ومن ثم اصبحت (18) دائرة وبعد ذلك (83) دائرة واخيرا وفي عام 2023 عادت لتصبح مجددا (18) دائرة انتخابية، وهذا دون صدور اي قرار بعدم دستورية كل ذلك، الا اذا كانت المحكمة الاتحادية قد وضعت نفسها محل المشرع في الاقليم لتصدر قرارا كهذا في الوقت الذي لم يمنح لها الدستور مثل هذه الصلاحية. والامر الذي يجب التنويه اليه هو ان الجانب السلبي والضعيف في نظام الدوائر المتعددة هو انه لا يمنح الفرصة للاحزاب الصغيرة والمتوسطة كي تتمكن من تمثيل مصوتيها بصورة تامة وهذا يضر بالمصلحة الوطنية وان كان ذلك في مصلحة الاحزاب الكبيرة.
من جانب اخر فان الغاء المقاعد الكوتا للمكونات في الاقليم، يتناقض ما جاء في قانون انتخاب مجلس النواب الاتحادي ومجالس المحافظات بتخصيص مقاعد للمكونات، كما يتعارض مع المادتين (49/ف1 و125) من الدستور، اللتين تؤكدان على تمثيل كافة مكونات الشعب في مجلس النواب، وتضمنان حقوق القوميات (كالتركمان، والكلدان والسریان والاشوري و الارمن وسائر المكونات الأخرى) في ممارسة حقوقهم المشروعة، بما فيها الحقوق السياسية، من خلال ضمان تمثيلهم في المجالس المنتخبة.
عليه أدت تلك القرارات للمحكمة الاتحادية العليا الى تعقيد وتأزيم العلاقات بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقليم والاخلال بها بالشكل الذي يهدد المبادئ الدستورية في الديمقراطية والنظام الاتحادي، ويكشف بوضوح التوجه بالعراق الى دولة ذات نظام مركزي والابتعاد عن النظام الديمقراطي الاتحادي، مما يفرض على عاتق كافة الشركاء في الحكم عامة وفي تحالف ادارة الدولة خاصة للعمل بجد من اجل ضمان الالتزام بأحكام الدستور وبنود اتفاق تحالف ادارة الدولة والاسراع بتشريع قانون المجلس الاتحادي وقانون النفط والغاز، وبالأخص تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا لمعالجة مشكلة الشرعية الدستورية لهذه المحكمة بموجب الاليات الدستورية المنصوص عليها في المادة (92)، ضمانا لاستقلاليتها ولتنفيذه واحترام بنوده واحكامه، كذلك يجب ان يكون الدستور هو الاساس لمعالجة المشاكل القائمة بين الاقليم وبغداد وان لايتم استغلال المحكمة الاتحادية اكثر من هذا لتحقيق الاهداف والاغراض السياسية.
5/3/2024