“المنتدى الدولي حول داعش” خبراء يبحثون تحديات واستراتيجيات مواجهة داعش ومصير مقاتليه وعائلاتهم المحتجزين في شمال سوريا
الاهالي ريبورت:
بحضور عشرات الأكاديميين والباحثين والسياسيين وأستاذة من جامعات عربية ودولية، عقد يوم السبت في بلدة عامودا بشمال شرق سوريا، فعاليات المنتدى الدولي حول تنظيم داعش والذي ناقش على مدى ثلاثة ايام “أبعاد وتحديات واستراتيجيات” مواجهة التنظيم المتطرف بعد نحو ثلاثة اشهر من هزيمته عسكريا وانهاء دولته.
المؤتمر ناقش في جانب من جلساته مصير المقاتلين الأجانب في تنظيم داعش وعائلاتهم المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية، وهي مشكلة معقدة في ظل وجود عشرات آلاف المقاتلين الأجانب والعرب من غير السوريين وعوائلهم المحنجزين في مخيمات سوريا والذين ترفض العديد من الدول استقبالهم.
ويطالب الكرد الذين يديرون شمال شرق سوريا الدول الأوروبية باستقبال مواطنيها من المقاتلين وعوائلهم أو المساعدة في اقامة محكمة دولية في المنطقة لمحاسبتهم قانونيا.
14 الف أجنبي
ويقدر عدد الأجانب بحسب مسؤولين كرد، بنحو 14 ألف شخصا، بينهم 13 ألفا من النساء والأطفال، فيما يتجاوز عدد المقاتلين العرب والعراقيين اضعاف ذلك الرقم.
ونظم المؤتمر من قبل مركز “روج آفا” للدراسات الإستراتيجية وتحت عنوان “المنتدى الدولي حول داعش” بحضور نحو مئتي مشارك، بينهم خبراء وباحثون يقيمون في الولايات المتحدة ومحامون فرنسيون، بالإضافة إلى مسؤولين من الإدارة الذاتية الكردية، بحثوا أبرز تحديات مرحلة ما بعد إعلان القضاء على “خلافة” تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد تجريده من آخر مناطق سيطرته في الباغوز شرقي سوريا.
وأورد مركز “روجافا” في بيان تعريفي بالمؤتمر أن “ثمة إجماع عالمي على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع الآلاف من المقاتلين الأجانب من تنظيم ’داعش‘ وأتباعهم، بالإضافة إلى الأطفال المرتبطين به والمحتجزين حاليا في شمال شرق سوريا. غير أنه يكاد لا يوجد أي توافق بشأن شكل هذا التحرك”.
وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية، تحالف فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن، في 23 آذار من طرد التنظيم من آخر نقاط سيطرته في منطقة الباغوز شرق نهر الفرات بعد هجوم واسع بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، واستمرت تلك المعركة بشكل متقطع عدة اشهر استسلم خلالها آلاف المقاتلين المتطرفين مع عوائلهم قبل ان يتم تطهير المنطقة بشكل كامل.
وبحسب فرانس برس، تعتقل قوات سوريا الديمقراطية، وهو تشكيل تقوده فصائل كردية لكنه يضم فصائل عربية وسريانية، في سجونها نحو ألف أجنبي من مقاتلي التنظيم، بينما تحتجز في مخيمات يديرها الكرد في شمال شرق سوريا نحو 13 ألفا من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم الأجانب من نساء وأطفال.
ويشكل هؤلاء عبئا على الإدارة الذاتية التي تكرر مطالبتها الدول الغربية وخصوصا دول التحالف، بتحمل مسؤولياتها واستعادة مواطنيها لمحاكمتهم على أراضيها.
ومع تردد غالبية تلك الدول بسبب مخاوفها من رجوع هؤلاء الى اوطانهم حتى لو ظلوا معتقلين، دعت الادارة الذاتية المجتمع الدولي إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمتهم في سوريا، مطالبة بدعمها من أجل بناء سجون جديدة مهيأة وتقديم مزيد من المساعدات للمخيمات.
وفي العراق المجاور، تجري محاكمات وفق القوانين العراقية للمقاتلين الأجانب الذين تم نقلهم من سوريا او اعتقوا في العراق. وصدرت مؤخرا أحكام بالإعدام بحق 11 فرنسيا بتهمة الانتماء لتنظيم داعش.
فعاليات المؤتمر
ويقول مركز “روج آفا” للدراسات أن المنتدى الدولي حول داعش يسعى الى ان يخدم عملية السلام في المنطقة.
وأضاف المركز في بيان: “لقد حرصنا على مشاركة كافة أبناء الشعب السوري في هذا المنتدى، لكي نظهر ما فعله مرتزقة داعش بشعوب المنطقة وبشكل خاص الشعب الكردي”.
ولفت المركز إلى أن “الهدف من المنتدى هو تحديد استراتيجية لمواجهة مرتزقة داعش، بما يخدم أمن المنطقة، إلى جانب تقديم الحلول والمقترحات المناسبة التي تحدد السبل المناسبة لمقاومته وتجفيف منابعه، وتأمين الوسائل المناسبة لتعويض المتضررين من ممارسات مرتزقة داعش، وتوحيد الجهود الدولية لمكافحة مرتزقة داعش”.
وأوضح المركز أن “الهدف من المنتدى الدولي حول داعش هو تحديد استراتيجية لمواجهة المخاطر، بعد دحر داعش في جيبه الأخير بالباغوز، ولتحديد موقف الدول العالمية من وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية التي حاربت مرتزقة داعش ودحرتها”.
وتضمن المنتدى عرض تقارير حول إرهاب تنظيم داعش، والاستماع الى شهادات حيّة من ضحايا إرهاب التنظيم، الى جانب افتتاح معرض للفن التشكيلي والتصوير الضوئي الخاص بإرهاب داعش، تلاه عقد جلسةقدمت خلالها بحوث اكاديمية عن البعد التاريخي والسياسي من إرهاب داعش.
المعركة الثانية لمواجهة داعش
وقال رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية، سيد عبدالفتاح، إن “هذا المؤتمر يمثل المرحلة الثانية من الحرب ضد داعش. المرحلة الأولى كانت المواجهة العسكرية وقد تمت بنجاح واستطاع الكرد أن ينتصروا على خطر داعش ويقضوا تماماً على التنظيم عسكرياً”، وفق ما نقلته شبكة رووداو الكردية.
وأضاف أن “المرحلة الثانية هي ليست أقل أهمية من المرحلة الأولى، هذه المرحلة هي المواجهة الفكرية لخطر داعش وأفكار داعش التي مازالت مستمرة وموجودة في مجتمعاتنا في المنطقة، وبالتالي فهي معركة شديدة وقوية ومهمة لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية”.
وأشار عبدالفتاح إلى أن “هناك عشرات الآلاف من مقاتلي وعناصر داعش موجودون تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، وهؤلاء في رأيي يمثلون قنابل موقوتة تهدد بالانفجار في أي وقت، ما يجعل الانتصار العسكري بلا أهمية. فهؤلاء يجب أن يقوم المجتمع الدولي بدوره تجاههم لأن الطرف الكردي والإدارة الذاتية هنا ليست لديها الإمكانيات لتحمل هذا العبء الكبير”.
وتابع أن “وجود هؤلاء المقاتلين في المعسكرات والمخيمات ولدى جهات الاعتقال هو خطر في حد ذاته، ويجب ايجاد حل لهم”، منبها “هؤلاء مازالوا يحملون نفس الفكر المنحرف والمتطرف. على بلدانهم أن تستردهم وأن يعودوا إليها. لكن للأسف وجدنا موقفاً دولياً متراخياً يثير علامات الاستفهام”.
تشكيل محكمة خاصة
ودعا رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية الى إقامة محكمة دولية لمحاكمة عناصر داعش المتورطين، قائلا “أعتقد أنهم جميعاً متورطون في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومن المفيد والمنطقي جداً أن تقام هذه المحكمة في المناطق التي شهدت إجرام داعش وجرائمه، وفي المناطق التي دفع فيها الشعب ثمناً باهضاً من أمنه واستقراره ودمائه وأرواحه، وبالتالي يجب أن يكون محل ارتكاب الجريمة هو المكان الذي تقام فيه المحكمة”.
لكنه أشار الى أهمية تشكل المحكمة بمعرفة وبمساعدة هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمجتمع الدولي:”يجب على هؤلاء جميعاً أن يتشاركوا لإقامة هذه المحكمة وأن تقوم بدورها في هذا الأمر. لكن لا ضوء اخضر الى الآن للموافقة على إقامة هذه المحكمة، وهناك أطراف إقليمية ودولية ربما لا تحبذ وليست متفقة وموافقة على إقامة هذه المحكمة”.
وأردف عبدالفتاح “هذه المحكمة تحتاج إلى إمكانيات مالية ضخمة وإلى استعدادات وترتيبات أمنية وقانونية خاصة، حتى تكون كاملة من كافة الجوانب، لكني لا أرى أن الأطراف الدولية متحمسة بشكل كبير لإقامة هذه المحكمة، وهنا يأتي دور هذا المنتدى والتحركات الأخرى للضغط على المجتمع الدولي وعلى هيئة الأمم المتحدة للموافقة والإسراع في تشكيل وإقامة وعقد هذه المحاكمة في المناطق التي شهدت جرائم تنظيم داعش، ومحاكمة هؤلاء المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية”.
تطورات على الأرض
في سياق موازي ذكرت قوات سوريا الديمقراطية، انها توصلت مع الأمم المتحدة إلى اتفاق وبعد أشهر من المباحثات المباشرة بشأن “تطبيق الصكوك القانونية الدولية المتعلقة بحقوق وحماية الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح في سوريا” وفق قرارات مجلس الأمن واتفاقية حقوق الطفل.
فيما اعلن في شمال شرق سوريا عن تشكيل مجلس الحسكة العسكري المنضوي تحت راية قوات سوريا الديمقراطية، وذلك في إطار تشكيل مجالس عسكرية جديدة ضمن المناطق الرئيسة التي تسيطر عليها القوات الكردية في شرق الفرات، وفقاً لما كشفه المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ومن المتوقع أن يُثير هذا الإجراء حفيظة الحكومة السورية وغضب الحكومة التركية التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطية قوات ارهابية موالية لحزب العمال الكردستاني.
وسبق أن كُشف عن اعتزام قوات سوريا الديمقراطية وبطلب ودعم من التحالف الدولي، تشكيل مجالس عسكرية جديدة في مناطق رئيسية خاضعة لسيطرتها في منطقة شرق الفرات، وذلك على غرار مجلس منبج العسكري ومجلس دير الزور العسكري، من اجل السيطرة على مختلف المناطق ومنع عودة التنظيمات المتطرفة اليها وتمكين سكان تلك المناطق من حمايتها بأنفسهم.
وأوضحت مصادر للمرصد السوري أنّ المجالس العسكرية سوف تتشكل في كل من الرقة والطبقة وتل أبيض وعين العرب (كوباني) وهي ستتشكل من أبناء تلك المناطق.
وجود التنظيم
ورغم انتهاء وجوده بشكل كامل كقوة مسيطرة على شرق الفرات، يواصل تنظيم داعش سعيه لإثبات قوته وقدرته على البقاء وتنفيذ هجمات دامية عبر نشاط عناصره والخلايا التابعة له على ضفتي نهر الفرات الشرقية والغربية، ومن خلال عمليات اغتيال وتفجير تستهدف قوات سوريا الديمقراطية والعاملين معها في شرق نهر الفرات وحتى المدنيين، وتنفيذ هجمات متكررة وكمائن مستهدفاً قوات النظام والمليشيات الموالية في البادية السورية غرب نهر الفرات.
ومازال داعش في سوريا يسيطر على مساحات من الأرض في نقاط متفرقة من منطقة جبل أبو رجمين في شمال شرق تدمر وصولاً إلى بادية دير الزور وريفها الغربي، بالإضافة لتواجده في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء.
وتتقاطع عمليات تشكيل مجالس عسكرية، مع الخطط التركية الهادفة للسيطرة على مناطق شرق الفرات وطرد المقاتلين الكرد منها، وان تعطلت تلك الخطط في الفترة الأخيرة نتيجة الرفض الامريكي والدولي لها خاصة بعد ما حصل في عفرين التي تحولت بعد الاحتلال التركي لها من أكثر المناطق امنا في سوريا الى منطقة تشهد انتهاكات يومية وعمليات قتل واعتقال وتهجير مستمرة.
وسعت تركيا في نهاية العام الماضي الى استغلال القرار المفاجيء للرئيس الأمريكي بالانسحاب من سوريا، لتهديد الكراد باجتياح مناطقهم في منبج وشرق الفرات واقامة منطقة آمنة على طول حدودها وبعمق عشرات الكيلومترات داخل سوريا، قبل أن تعدل واشنطن عن تنفيذ قرارها بعد ضغوط كردية ودولية.
ومنذ أيام، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ “أردوغان كان يرغب في محو الكرد على الحدود مع سوريا” لكنه تدخل لمنع ذلك. وأوضح ترامب أنّ تركيا “استعدت” للهجوم والقضاء على الحلفاء الأكراد لواشنطن في سورية، إلى أن تدخل وطلب من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وقف ذلك. وأضاف “كان يسعى للقضاء على الأكراد. لقد قلت له لا يمكنك القيام بذلك ولم يفعل ذلك”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قد ذكر أن بلاده ستؤجل هجومها العسكري المخطط له شمالي سورية، لكنها لن تنتظر “إلى أجل غير مسمى”.وأوضح أنّ بلاده قررت التريث لفترة فيما يتعلق بإطلاق العملية العسكرية شرق نهر الفرات شمالي سوريا.
وكان الرئيس الأمريكي قد أمر بشكل مُفاجئ في كانون الاول الماضي سحب الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا مؤكدا أن تنظيم داعش قد هُزم، وهو ما كان يعني ترك المجال للجيش التركي للتحرك في عمق الحدود السورية ومهاجمة المقاتلين الكرد الذين قاتاوا داعش.
لكنّ ترامب تراجع عن هذه الخطوة بشكل تدريجي بعد انتقادات دولية واسعة، حتى أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خاطب الرئيس الأميركي بقوله “أن تكون حليفاً يعني أن تقاتل كتفاً إلى كتف”، ومُشددا على أن “الحليف يجب أن يكون محل ثقة”.
س ن