المرأة في إقليم كردستان: تحوّلات تاريخيّة جوهريّة نحو تحصيل حقوقها ومُشاركتها في صناعة القرار
نجاح هيفو*
قبل مدّة، تواصلت مع الصديقة، صبيحة إبراهيم صالح، وهي الحاصلة على شهادة الماجستير في التاريخ الحديث، وتُدرّس في إعداديّة بلدة مسيريك للبنات في محافظة دهوك. دار الحديثُ، وقتئذ، بيننا، حول أحوال المرأة الكرديّة في إقليم كردستان العراق عبر التاريخ، والأدوار الّتي استلمتها في الثورات الكُرديّة، والتحولات التاريخيّة الكبيرة في ظروفها في الإقليم بعد الفيدراليّة.
كان هذا الحديث، بالنسبة إلي، فرصة للتفكير بكتابةِ مادة عن وضع المرأة الكرديّة في مجتمعٍ يتمتّع بذائقة جمعيّة تجاه المرأة، تتحكّم بها العادات والتقاليد والدين، وتؤسّس لحيوات المرأة الاجتماعية والسياسيّة والاقتصاديّة والمعرفيّة.
ربّما من الصواب أن يتمّ اعتبار إقليم كردستان العراق، نموذجاً متقدّماً من حيث نسبةِ القضاء على الموروث الاجتماعيّ والتقليديّ نحو المرأة؛ إذ أنّ إقليم كُردستان قدّمت نماذجاً متقدّمة في مُشاركة المرأة في العمل السياسيّ، حيث تصل نسبتهنّ في البرلمان إلى (30) في المائة، وفي مناصبِ رفيعة مثل رئاسة اللجان البرلمانيّة، وتجاهَ القضايا الاجتماعيّة والدينيّة والمؤسّساتيّة الثانية.
ورغمَ أنّ حكومةَ إقليم كُردستان العراق، تعملُ منذُ سنوات، بشكل مكثّف، من اجل احتواء مظاهر العُنف والتمييز القائم ضدّ النساء في الإقليم، ورغمَ أنّها تمكّنت من الحدّ من عدة ظواهر، إلّا أنّ مؤشّرات العُنف لا تزال مُرتفعة بالمُقارنة مع القوانين السارية في الإقليم. ولا يُمكن إغفال الحمولة الاجتماعيّة والدينيّة والعادات والتقاليد والثقافةِ الذكوريّة الّتي تلعبُ دوراً جوهريّاً وأساسيّاً في تحديد نمط وسُبل حياة النساء ومُشاركتهنّ في العمليّة السياسيّة وحالة المأسسة في إقليم كردستان.
وعلى أساسِ ذلك، فإنّ القوانين والمُجتمع، يلعبان دوراً مُكملاً في دور المرأة وانضمامها للقضايا الّتي تهمّ المجتمع والحكومة والقضيّة الكُرديّة في إقليم كُردستان، وبما يُلائم مع أدوارها السابقة في الثورات والانتفاضات الكُرديّة القديمة في الإقليم.
من البداية:
يُروى في إقليم كُردستان العراق، في جلسات المعمّرين الّذين عاصروا المُلا مُصطفى بارزاني، وعايشوا الثورات الكُرديّة والنضال الكُرديّ ضدّ الحكومةِ العراقيّة، دور النساء في إنجاح الثورة ودورهنّ في الكفاح المسلّح الكُرديّ في إقليم كُردستان العراق.
من تلك المرويّات الّتي يتمّ سردها أثناء الحديث عن المرأة في إقليم كُردستان، هي قصّة تأثّر المُلا مصطفى بارزاني بشخصيّة المُناضلة الكُرديّة، ليلى قاسم، الّتي اُعدمت وهي تهتف بحياة المُلا مصطفى بارزاني وثورة أيلول العظيمة وبلادها كُردستان.
ولطبيعةِ المُجتمع الكُرديّ في فترة الثوراتِ الكُرديّة، يُمكن أن يكون دور المرأة قد تمّ تأطيره في مسائِلَ ثانية تختلف عن دورها الحاليّ؛ فالمرأة في الثوراتِ الكُرديّة كان لها الدور البارز في تقديم الخدمات اللوجستيّة لمُقاتلي البيشمركة، والدور البارز في تقديم الخدمات الطبيّة، وحماية عناصر البيشمركة في القُرى الكُرديّة من مُلاحقة القوى الأمنيّة لصدّام حسين.
وربّما كان هذا السبب المُباشر لغياب المرأة بشكلٍ كبير عن العمليات العسكريّة، وتحديد أدوار ثانية لها تكون مُكملة للدور العسكريّ، وبطبيعة الحال الأدوار في الثورات والانتفاضات هي أدوار مُكمّلة ولا يُمكن لثورةٍ أن تنجح بغياب أحد أدوارها. بمعنى آخر، فإنّ مُشاركة المرأة الكُرديّة في أدوارها اللوجستيّة والطبيّة والغذائيّة والحماية كان له دورٌ بارز في تحقيق الانتصارات أثناء الثورات والانتفاضات الكردستانيّة في إقليم كردستان العراق.
والحالُّ أنّ رؤية وتوجّه المُلا مصطفى بارزاني كان له الدور البارز في تقدّم دور المرأة في الثورة الكُرديّة، وكان له دور كبير في تأسيس اتحاد نساء كُردستان، الّذي صار إحدى أهمّ التنظيمات التابعة للثورةِ الكُرديّة.
وما يُمكن ملاحظته أنّ الثورات الكُرديّة كانت تُركّز في أعمالها على الدور التوعوي للنساء؛ إذ أنّ نشاطات الطالبات الكُرديّات في الجامعات العراقيّة في بغداد، كان له دورٌ بارز في إيصال صوت الثورة الكرديّة إلى المُتابع العراقيّ والعربيّ والأجنبيّ. وما يؤكّد هذه الفرضيّة هي الاتحادات النسائيّة والطُلابيّة الّتي تأسّست كجزء من ثورةِ أيلول ومُكمّل لها، واستقبال المُلا مصطفى بارزاني لمسؤولي هذه الاتحادات بشكلٍ مستمرّ في مقرّ إقامته في جبال كُردستان.
أمّا المسألةُ الثانية، فإنّ المُجتمع الكُرديّ نفسه، كان يتجاوزُ إلى حدٍ ما حمولته العشائريّة والدينيّة عندما تُشارك المرأة في الثورات الكُرديّة وتُدافع عن حقّ الكُرد؛ فليلى قاسم على سبيلِ المثال، تحوّلت إلى أيقونة كُرديّة ولُقبت بعروسةِ كُردستان، وكُتب عنها قصائد من أهمّ الشُعراء الكُرد وتحوّل نضالها إلى إرث ونضالي ومعرفيّ كُردي، وغنّى الفنانون الكُرد القصائد الّتي كُتبت عنها.
وما يُعزّز هذه الفرضيّات، هي كتابات الرحّالة الذين زاروا كُردستان، والّذين نقلوا في كتاباتهم الدور الكبير الّذي تلعبه المرأة الكُرديّة في القضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنضاليّة الكُرديّة.
وعلى أساسِ ذلك، يُمكن اعتبار النساء العامل الأهمّ في استمرار الثورات الكُرديّة، والجهة الأكثر فاعليّة فيها، ذلك لأنّهم هم من قادوا تفاصيلاً مُهمّة غير الجانب العسكريّ، وتمكّنوا من تقديم كامل الدعم لتلك الثورات. وبالمقابلِ من ذلك، فإنّ المرأة الكُرديّة هي الطرف الأكثر ضرراً من القمع المُمنهج بحقّ الكُرد، والأكثر تحمّلاً لنتائج فشل الانتفاضات الكُرديّة؛ فإلى جانبِ أنّ المراة الكُرديّة خسرت كما خسر الكُرد، فهي الّتي خسرت أبناءها وترمّلت وتشرّدت وسكنت الجبال والخيم، وعانت أكثر من الرجال في المأسي الكُرديّة الّتي تركتها الثورات المسلّحة الكُرديّة وحركة التحرّر الكُردستانيّة.
في عصر الإقليم:
عام 2008، قام الزعيم الكُردي، مسعود البارزاني، بإقرار “مجلة الأحوال الشخصيّة” الخاصّة بالنساء، والّتي تضمّنت، ولأولِ مرّة في تاريخ العراق وكُردستان بنوداً قانونيّة مُهمّة للمرأة، والّتي نصّت على قبول شهادة المرأة إلى جانب الرجل أثناء عقد القران، وجعل سن الزواج ستّة عشر عاماً، ومنح النساء حقّ الولاية عند فقدان زوجها، ومنع تعدّد الزواج، ووضع قيود على ذلك، ومنح العصمة للمرأة في المحاكم في حال طلبت ذلك. وصنّفت تقاريرٌ إعلاميّة، بعد هذا القرار، الزعيم الكرديّ، مسعود البرزاني، كأحد القادة المُهمين في الشرق الأوسط الّذين منحوا الحرّيّة للنساء في بُلدانهم.
مع التحوّلات السياسيّة الكبيرة في جنوبيّ كُردستان، والإعلان الرسميّ عن تشكيل إقليم كُردستان العراق، وتشكيل الحكومة والبرلمان والوزارات ومؤسّسات المجتمع المدنيّ والمؤسّسات الإعلاميّة، بات وضع المرأة الكُرديّة أفضل حالاً من ما كانت عليه سابقاً، وصارت تشارك في أعمال ونشاطات وفعاليات لم تكن تشارك بها سابقاً، وصارت مُتقاربة في الحقوق والواجبات من نواحي التعليم والتوظيف والبرلمان في الإقليم.
وحتّى أنّ الإقليم بات يُقدّم نموذجاً متقّدماً عن عمقه العراقيّ من الناحيةِ القانونيّة؛ إذ قام برلمان إقليم كردستان منذ عام 2002، بتعديلات على قانون العقوبات العراقي حول تشديد عقوبة جرائم القتل بحجة غسل العار بأنّها جرائم قتل عدم.
وفي عام 2007، قرّرت وزارة الداخليّة في إقليم كردستان العراق، فتح مُديريات خاصّة لمتابعة قضايا مُمارسة العنف ضدّ المرأة.
وشكّلت حكومةُ الإقليم عام 2010، تشكيل مجلس أعلى للمرأة في إقليم كردستان العراق، وفي عام 2011، أصدرت قانوناً خاصّاً بالعنف الأسري رقم (8)، والّذي صادق عليه برلمان الإقليم.
ونظّمت الحكومة سنة 2012، حملة باسم “الحملة الوطنيّة لمناهضة العنف ضدّ المرأة في الإقليم” وكانت عبارة عن سلسلة مؤتمرات وندوات وأنشطة معرفيّة وفنيّة وتربويّة وثقافيّة واستمرّت لأكثر من أسبوعين.
وكانت الكوتا البرلمانيّة للنساء تُشكّل (25) في المائة، في السنوات ما بين 2004 و2009، إلّا أنّه منذ الانتخابات البرلمانيّة عام 2013، صارت المرأة تملك (34) مقعداً برلمانياّ من أصل (111) مقعد، أي بواقع (30) في المائة، وهي من أعلى نسب الكوتا في المنطقة.
وعلى أساسِ هذه النسب، يُمكن الإقرار بأنّ المرأة قد تمكّنت من تجاوز عقبات كثيرة كانت أمامها للمُشاركة بفاعليّة في صناعة القرار ضمن المجتمع والدولة؛ ويُحاول القادة الرئيسيين في إقليم كُردستان العراق العمل بشكلٍ مكثّف للحدّ من الظواهر الاجتماعيّة والدينيّة والعادات والتقاليد الّتي تحدّ من نسبة مشاركة المرأة في الحياة العامّة، والحدّ من مظاهر التمييز والعنف على أساس النوع الجنسيّ بحقّها.
ورغمَ أنّ الحاضنة المُجتمعيّة في إقليم كُردستان العراق، لا تزال تتحكّم بصناعة قراراها العشيرة ورجال الدين والعادات والتقاليد، إلّا أنّ القوانين، على ما يبدو، في إقليم كُردستان، لعبت دوراً محوريّاً هامّاً في تجاوز قضايا ومسائل جوهريّة كانت عالقة.
وعلى ما يبدو فإنّ رئيس الإقليم، نيجيرفان بارزاني، ورئيس حكومةِ إقليم كردستان، مسرور بارزاني يُدركان دور النساء في الوصول إلى التطوّر والتقدّم في إقليم كُردستان، وأن التحرّر والتقدّم في الإقليم مُرتبط بمدى تطوّر القوانين تجاه المرأة، وتقدّم المُجتمع في العوائق الّتي وضعها أمام المرأة في حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية والمعرفيّة والتعليمية.
ومن نافلةِ القول، لا يُمكن اعتبار إقليم كردستان مكاناً جغرافيّاً متجاوزاً لقضايا الُعنف والتمييز تجاه المرأة، إلّا أنّه يُمكن اعتبار الإقليم مكاناً جغرافيّاً يُحاول ويتقدّم بشكل سريع نحو إشراك المرأة في القرار السياسيّ والعسكريّ والمدنيّ والمُجتمعيّ، من خلالِ سنّ القوانين والضغط باتجاه القضاء على مظاهر وأشكال العنف ضدّ النساء.
ومع التقادم، صارت رؤية المُلا مصطفى بارزاني والحزب الديمقراطيّ الكُردستاني تجاه المرأة الكُرديّة، تتجسّد بشكلٍ أكبر في تطوّر دور المرأة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة الكُرديّة؛ فخلال انتخابات الملجس الوطنيّ العراقي سنة 2018، نجح عشرة مرشّحات دون الحاجةِ إلى الكوتا، بينهنّ خمسة نساء من مرشّحات الحزب الديمقراطيّ الكُردستاني، وهذا يدلّ على أنّ المجتمع الكرديّ نفسه صار يؤمن بدور المرأة ومكانتها الاجتماعيّة وقدرتها على مُمارسة العمل السياسيّ.
– والحالّ أنّ قضايا النساء في إقليم كُردستان العراق بحاجةٍ إلى دراسةٍ وتقصّي شاملة، تبيّن الظروف التاريخيّة والتحولات الاجتماعية والسياسية والمدنية الّتي طرأت على أحوالها منذ عهود الثورات وإلى يومنا هذا؛ فأكثر ما يتمّ تجاهله تجاه المراة الكردية في إقليم كردستان هو دراسة أحوالها من خلال دراسات وأبحاث يُمكن أن تكون مراجع يُستند عليها مُستقبلاً.
وختاماً، يُمكن القول أنّ إقليم كُردستان العراق، يتوجّه بثبات وفاعليّة نحو الحرّيّة والديمقراطيّة، أكثر من المحيط الجغرافي، ومع العراق نفسه، ويتوجّه بخطى واضحة نحو تطبيق القوانين الّتي تضمن حرّيّة النساء وإزاحة العوامل الاجتماعيّة والعشائريّة والدينيّة الّتي تقف عائقاً أمام حرّيّة النساء، وبات يُحقّق ويطبّق خطوات حقيقيّة لصالحِ المرأة، وهذا ما يعكس ممارسات الحكومةِ الإيجابيّة نحو التطوّر والحداثة في الإقليم.
* كاتبة كردية من سوريا